مظاهر العملية الابداعية في تجربة الكتابة الأدبية في البحرين

الكاتبة: أنيسة فخرو

كتاب صدر في عام 1993

تضمن حوارات مع كل من: الشاعر قاسم حداد، الشاعر علي الشرقاوي، الكاتب محمد عبد الملك، الكاتب عبد القادر عقيل، الشاعرة فوزية السندي، الكاتب أمين صالح، الشاعر علي عبد الله خليفة.

1- ما هو العمل الذي يمكن أن نعتبره أفضل ما كتبت وأنتجت حتى الآن؟

– لا أميل لطبيعة المفاضلة بين تجاربي المنجزة، هنالك تجارب تحاول أن تكتمل وتتقدم لتكون الأفضل، لكنها دائماً تتعثر أمام تجارب جديدة تسعى هي الأخرى لتكون الأفضل. الأفضل بالنسبة لي يتشكل في الغياب.. لذا أتوق إليه.

لكل كتابة مذاق ورائحة ما، تؤسس دواخلها في حميمية الاتصال بي، لذا تعودت أن ألجأ دائماً لا للمفاضلة بل لأسر الوقت الذي كانت فيه التجربة تشكل الملاذ الوحيد والحضن الحنون.

2- هل تشعرين بأن هناك تمايزاً في درجة الرضا عن نتاجك؟ أي هل يوجد نتاج لك تقيمنه بأنه جميل وقوي، وآخر تقولين عنه عادي، وآخر تقولين عنه ضعيف مثلاً؟

– حتماً.. هنالك تمايز بين التجارب، عندما أعود إليها عبر قراءة نقدية، عادة ما تكون شديدة القسوة وحتماً بحساسية مختلفة، لاختلاف طبيعة اتصالي بالشعر بعد كل وقت يمضي ولا ينسى أن يدهشني بالكثير. أرى بعضها شديد التشبث بي، البعض الآخر ينزوي بعيداً..

لا أخضع لمعيار المفاضلة، ومن الصعب القبول بتقديرات مختلفة للقصائد، كأن تكون قوية أو ضعيفة..

هناك ما يشبه الحب والرغبة في إعادة قراءة بعض القصائد عن سواها.

أما الشعور بالرضا فلا أتمثله، بل أبحث عنه، ولا رغبة لي بالوصول إليه.

3- ما معيارك لأفضل نتاج لك؟ أي ما هو معيارك لنتاجك الشخصي الأدبي الابداعي؟ وما هو معيارك لإبداع الآخرين في الكتابة الأدبية؟

أن تكون الكتابة كالهواء. أراه ولا أراه.
أن تكون حنونة وقريبة، تداعب الروح والجسد، دفء لا يبتعد، مالا يوصف في حساسية الاتصال بالنص، ثمة احتضان لا يعرف الغربة ينتشل الكائن من صقيع الوقت، وقسوة ما حوله لمنتهى حافل بالغرابة، يجن فيه ويحن عليه.

في أسر هذه الحالة، عندما أقرأ لي أو ما يكتب الآخرين..

أكتشف الابداع، حرية الهواء.

4- هل يأتي النتاج الأدبي الابداعي فجأة أم يأتي على مراحل؟

في تجربة الكتابة لا مكان لنمطية التحقق، لأن الكتابة تشكل ذاتها في كل طقس بشكل مختلف، أحياناً تكتمل القصيدة في ذات الوقت بلهاث لا يهدأ.. وفي تجارب أخرى تكتمل في أوقات مختلفة، وذلك لطبيعة التجربة الفنية التي يمتثل الكاتب لمهارة تحققها
5- ماهي المراحل التي يسلكها النتاج الأدبي لكي يخرج الى الوجود؟
– لا أعرف كيف..

فالكتابة تبدأ وتستمر في تناغم وتشظي يأخذ مداه، لتنتهي ولا تنتهي، مفتوحة على الأفق، كموجة تعانق رمل الحيرة لترتد مأسورة بجلبة الأعماق وتنداح.. لتعاود العناق.

هكذا بلا مراحل..تحتدم في الروح بصمت مذهل..صمت يكتب ولا يكتب..

وفي ظل هذا التأمل.. أنجز بعض القصائد وأدونها ليراها من يراها..

لكن الأجمل يظل غائماً في الروح..أعجز عن تدوينه وأظل بانتظاره..

من الصعب تحديد مراحل لتطور العمل الفني في اللحظة الابداعية، لأنها تفترض غياباً عن الوقت والمكان والذات معاً.. لضرورة استمرار وميض الفتنة الذي يقود القول.

لقدسية وهج الخلق ونقاء الأمل الذي ينبض في رحيق الورقة.

6- ماهي أكثر مراحل النتاج الابداعي صعوبة والتي تحدد مسار العمل الأدبي

والتي تعانين فيها كثيراً؟ وما شكل المعاناة؟

وقت البدء..
لحظة اختبار الذات لقدرتها على حماية الجسد وحصانتها أيضاً.

هنا تتجلى- بالنسبة لي- الصعوبة التي لابد منها لاجتياز مكر البياض.. غواية الألم.

أما شكل هذه المعاناة، التي لا أفترض كونها معاناة، بل ما يشبه التحدي الممتع والغبطة المحيرة التي تستبد بالبدء..

7- بماذا تشعرين أثناء الكتابة؟ أي ما هي حالتك الجسمية والنفسية لحظة الكتابة؟

طبيعة الحالة الجسدية والنفسية أثناء الكتابة تؤسسها أيضاً طبيعة التجربة.. فكلما احتدت هذه العلاقة واتسمت بحالة عالية من النشوة والتناغم، كلما انسل الجسد بعيداً وتناهى، ليكون للكتابة حضورها المطلق.. فهي سيدة الوقت التي تحتضن دلال الجسد، لتعيد اكتشافه ومساءلته.. لتتحول الكتابة ذاتها إلى جسد آخر، أكثر رأفة، شفافية، قدرة على مواجهة الذات والآخر، من هذا الهيكل، من هذا الجسد المستباح، المباح لكل انتهاك.
هكذا.. تتحقق فعالية الذهاب في ذهب الكتابة.

من مغادرة حصار الآخرين، رفض نفوذ السطوة التي تمارسها الذات، ويمارسها الآخر على حدود الجسد.

كل هذا ما أتوق إليه دائماً.. وما أشعر به أحياناً.

8- هل تتنبأين بالنتاج القادم؟

– لا، ولكني أرى كتابة تلوح لي من شرفة الروح، وتعدني أن تكون الأبهى.

9- كيف تبقين وتحافظين على استمراريتك في النتاج الأدبي الابداعي؟

– عندما تتحول الكتابة إلى مبرر وحيد للحياة.. تتماهى بشروط الحياة ذاتها لتتحول الحياة إلى شعر والشعر إلى حياة..

حتى عندما لا أكتب الشعر، فإني أشعر بتدفق الروح وإيقاع الجسد، أرى في اليقظة والحلم ما أعجز عن تدوينه.

هو الشعر يحافظ علي ويسعى إلى استمرارية بقائي.. لا أناي. لكن أناة، لأنه الأقوى والأجمل والأعمق.

هو الحرية الوحيدة المتاحة لي..

فكيف لي أن أرعاه وأحافظ عليه، وعلى استمراريته.

فعل القراءة والتأمل لمنجزات المبدعين والحياة معاً، تزودني برغبة البقاء قربه ليغويني أكثر.

10- ما هي العوامل الأساسية التي تؤثر في النتاج الابداعي؟

– الإنتاج الإبداعي عملية معقدة تخضع لمؤثرات عديدة، من الصعب تحديد الأساسي من الثانوي فيها، هذا إن وجد مثل هذا التمايز.

هي تخضع لطبيعة الفنان ذاته، بما يشتمل برؤاه الفنية والفكرية وإرثه الثقافي وذاكرته وتجربته الإنسانية والفنية.

كل هذا وكل ما يتشكل ويحتدم في دواخله من رغبة في اكتشاف ذاته عبر كتابة ترى مالا يراه.

11- هل الابداع من وجهة نظرك مسألة فردية أم جماعية؟

– الابداع شحنة فردية وجماعية في آن، فردية عندما تتحقق التجربة في ظل ذات تكتشف فرادتها وتسعى إليها، لتضيء التجربة الفنية بملامح خاصة وذاك لتمايزها، لخصوصية اشتغالها الحثيث مع الماضي، الحاضر، المستقبل.

أما الجماعية فبمعنى حضور الفعالية الابداعية للتاريخ والحاضر، أي لكل التجليات التي تمثلها التجارب الابداعية الأخرى والتجارب الحياتية المؤثرة بالمبدع.

12- هل تنتقين فكرة معينة من عدة أفكار للكتابة عنها؟ وكيف تختارين الفكرة؟

– لا أنتقي شيئاً.

كل ما هنالك أني أكتب والتجربة نفسها تقودني لاكتشاف ما أكتب عنه.

هكذا تكون الكتابة أكثر نقاءاً وبوحاً وحرية.

إن مسألة اختيار المواضيع للكتابة تكون أقرب للكتابة الصحافية لا الابداعية.

13- كيف يأتي الإلهام أو الحدس؟ وماهي اللحظة التي تقولين عنها بأنها لحظة الإلهام؟

– لا أعرف كيف يأتي.. لكنه يأتي.. هكذا.

عندما أبدأ الكتابة، لا أعرف طبيعة الشعور الذي يقودني لهذا الفعل، ولكني أشعر بأن هنالك ما ينبغي على أن أكتبه.

ربما شحنة انفعالية لا بد لها لأن تفتح الطريق لتدفق من الصور الشعرية أشد وضوحاً منها، وقدرة على خلق القصيدة.

لا أدري.

14- كم مرة تكرر الحدس أو الإلهام في أعمالك الأدبية؟

– من الصعب الإجابة على هذا السؤال.

15- هل يمكن أن ندرب أي فرد على الكتابة الابداعية؟ وكيف؟

– الكتابة الابداعية ليست ورشة عمل ميكانيكي يتطلب لإنجازها تدريب عاملين ليتحولوا من متدربين إلى مبدعين.

هي حياة تحتمي بحريتها.

هي ذات المبدع الذي يتشبث بها لئلا يموت.

الكتابة هي الهواء الوحيد له.

16- هل تحددين لنفسك وقتاً ومكاناُ وظروفاً معينة للبدء في الكتابة؟ وماهي عاداتك المتبعة أثناء الكتابة؟

– لا توجد لي عادات محددة للكتابة، ولا أختار وقتاً أو مكاناً محدداً، الكتابة تختار وقتها ومكانها عندما تلح على بتدوينها..

حينها أحتمي بالورقة والقلم، أما الوقت والمكان فلا يشكلان عائقاً أمامي، ولا أتذرع بطقوس معينة لابد منها لأكتب، الهدوء والوحدة هما فقط ما ينبغي تحققه لأمتثل بحرية التجربة.

17- هل تمارسين أحياناً عملية التحول الفكري المتعمد؟ أي هل تتركين العمل الأدبي بتعمد وتسترخين مثلاً وتذهبين إلى عمل آخر ثم ترجعين إليه؟

– أحياناً يحدث ذلك، عندما أتعب وأشعر برغبة البعد عن الكتابة، لا للاسترخاء، لأن هذا لن يحدث إلا عندما أنتهي منها، ولكن للفرار منها لبعض الوقت والعودة إليها فيما بعد، عندما أكون قادرة على مواجهة التحديات الفنية التي تؤرجحها لي الكتابة.

18- هل لك تجربة حاضرة في الكتابة بالنسبة لك، آثار لتجربة ماضية قديمة؟

– لابد من حضور التجارب الماضية في التجارب الجديدة التي تليها، للتجربة الفنية ذاكرة تمتد لتشمل كل التجارب، ما أنجز ومالم ينجز، ولكن طبيعة هذا الحضور تختلف من كاتب لآخر ومن تجربة لأخرى.. أحياناً يتمثل هذا الحضور بتكرار في المفردات أو الصور الفنية أو الإحساس الإيقاعي والدلالي.. وأحياناً يختلف العمل الفني عما سبقه، لكن القارئ، وحده، يشعر بأن هناك تواصلاً لا يستطيع تحديد سماته مع ما سبقه من أعمال فنية للكاتب.

19- هل هناك تنافر وتباعد بينك وبين الواقع، أم هناك تقارب وما تأثير الواقع على الفعل الابداعي عندك؟

– أميل إلى استبدال تعبير الواقع بالحياة.. التي لا سبيل للتنافر أو التقارب معها، هي نبض الكتابة، أحاول فهمها واكتشافها من خلال الأسئلة التي يبتدعها النص لي.

لذا لابد أن يكون للحياة تأثير على الفعل الابداعي، لأنه يحيا بحريته من خلال فعل التماس وهذه الحياة.

ولكن إلى أي حد هو جدير بها أو هي جديرة به..

هذه الجدلية التي لا بد منها لاستمرارية فعل تحقق العمل الابداعي في الحياة،

وتحقق الحياة في العمل الابداعي.

20- ما هو هدفك من الكتابة؟

– الكتابة بالنسبة لي، ليست وسيلة. بل حياة مضاءة بحريتها.

 

الحرية هي الرهان الاساسي

مسقط – عمان

أزمة النشر في العالم العربي تشكل الدول المتقدمة حوالي20% من مجموع السكان في العالم، وقد أصدرت أكثر من 70% منالكتب في العالم، بينما العالم الثالث يشكل حوالي 80% من سكان العالم لكنه مع ذلكينتج وينشر أقل من 30% من الكتب في العالم، بهذه المفارقة يجب علينا أن ندرك حجمالمشكلة التي يواجهها العالم الثالث والعالم العربي على وجه الخصوص ويعد النشر هوأحد تلك الأوجه التي تحتاج إلى أن نقف على العوامل التي تحد من عملية النشر فيالوطن العربي، حول هذه الموضوع قررت المسار أن تناقش هذا الموضوع من خلال هذاالملف.

ماهي العوامل التي تحد من عملية النشر في الوطن العربي؟

يتعرض الوطن العربي للعديد من الاشكاليات التي تعيق عملية التنمية الثقافية وتحد من التعددية الثقافية التي تشكل أهم التحديات في راهننا الحضاري، اهم تلك المصاعب سيادة الانظمة التوليتارية-الفردية- التي تسهم في غياب الديمقراطية بمعناها الجذري الفاعل، مما يؤدي الى شلل مؤسسات المجتمع المدني ومرتكزاته الثقافية، ناهيك عن التردي العام على مستوى الإرادة السياسية المستقلة للعديد من الدول العربية، وما تحقق من احتلال عسكري للأرض بعد العمل على محو الهوية العربية.كل هذه المناحي تؤثر بشكل عمقي في المشهد الثقافي، بما انتجه نهج الاستبداد من تفشي لثقافة الاستهلاك الناجمة عن التعاطي المجتمعي مع عملية التنمية الاقتصادية من منظور تعزيز المنتوجات الاستهلاكية، وتدوير رغائب التسويق، دون العمل على تخليق بنية انتاجية راسخة.إطلاق الهجمة الاعلامية التي تروج للإسفاف والتهريج على حساب معالم حضارتنا الابداعية.ان مهمة نشر الكتاب وتوفيره للقارئ هي مهمة حضارية بالدرجة الأولى، أتقنت تأسيسها الحضارة الغربية التي تعي طبيعة نفوذ تاريخها الثقافي، ودوره في تأسيس شعب واع، ومدرك لتحدياته المستقبلية والراهنة، شعب قادر على التعاطي مع مشكلاته بجدية منتجة ومسؤولية بالغة، تلك الحضارات، لم تعمل على نشر الكتاب فقط، بل اسهمت في ترسيخ والدفاع عن حقوق المؤلف، واحترامها كحق أنساني اوصت عليه كافة الشرائع والقوانين الدولية، أسست معارض الكتاب الجادة، قدمت الدعم الكافي لطباعة المؤلفات، وإعادة ترجمة ونشر المخطوطات، استضافة الأدباء والمفكرين- حتى العرب- لإغناء مؤسساتها الادبية والفكرية.أما البلدان العربية فسعت لأهدار حقوق المؤلف المصانة على الورق فقط، وفي أغلفة الكتب، عممت المعارض لتسويق كتب الطبخ والوعيد والتنجيم، شددت الرقابة على الكاتب بل تم اهدار دمه وتكفيره لحرف هنا أو جملة هناك، عززت الدرك على الحدود لمنع دخول الكتب التي تختلف مع رؤاها، انشئت صحافة ثقافية استهلاكيه تسطيحيه لا تهتم بالفكر الرصين أو النقد الجاد أو النصوص الأدبية المبدعة بل اسرفت في استضافة الكتابات الاستهلاكية والنقود الصحافية الانطباعية التي تهاجم الأدب الحداثي، وتصفه بالغموض لأنها لا تفهمه لذا حرض الناس ضده، ضمن شعارات قديمة ومتهالكة، بكونه يكتب لذاته وليس للجماهير العريضة، منساقة لذات الشعارات التي اهلكتنا طيلة الماضي الذى حضرنا لحاضر مهزوم بذات الشعارات.تشكل غياب الرؤيا الاستراتيجية للثقافة في بلداننا العربية ضمن مرتكزات الثقافة الحكومية والخاصة، عبء لا يستهان به تنوء به الثقافة، وما يتصل بها من معيقات لعملية النشر، غياب الترجمة أيضا، كمصدر مهم لعملية الحوار الحضاري، طغيان التوجه الاعلامي الاستهلاكي المسموع والمقروء والمرئي، كل هذه العوامل تتحد لتحقيق الاشكال المتعلق بالحد من عملية النشر.تتبدى معضلة دور النشر في تحولها من مؤسسات ثقافية، تتحمل مسؤوليه مهمة كما كانت تفعل في الخمسينيات والستينات من القرن الماضي، إلى اخطبوط شرس يرفع شعاره الأزلي في وجه المبدع: ” أدفع ثم انشر”، ناهيك عن دورها المخرب في نشر الكتب الفضائحية والترويجية لتسليع كل شيء، لغمر جيوبها بالنقد فقط. ضمن ما سبق، تعتبر تفشي الامية الابجدية والثقافية، وسيادة الفقر، من أهم العوامل التي تواجه فعالية النشر وتداول الكتاب، لكونها من المصائب المسكوت عنها، بل العمل على مضاعفة بلوها عبر تسييد الجهل ضمن المنابر التربوية التي لا تعمل على تحديث المناهج المدرسية والأكاديمية ايضاً، ليظل الطالب في حصار من البدائل التعليمية القديمة والتي لا تواكب الحداثة التنويرية.ان مسألة اشكالية نشر الكتاب العربي، تشكل الجزء المتفاقم من هذا المشهد المتردي، لإصلاحها لابد من تقويم التوجه الاستراتيجي الحضاري نحو الثقافة العربية، بالرغم من الاجتهادات الجادة التي تتناهض هنا وهناك في بعض العواصم العربية، الا ان المشهد الثقافي العام لا يشي بنهضة حقيقة نابعة من.ان العالم اليوم تحول الى شبكة اتصالية معقدة ضمن ثورة المعلومات، لا مكان فيه لشعوب تتعثر نحو الحرية، الحرية هي الرهان الاساسي نحو انتشال حالنا تجاه المستقبل، لن ينتظرنا احد من هذه الشعوب الفاعلة نحو تعزيز منجزها الحضاري، ولقد تحول فضاء الانترنت الرحيم بنا من قسوة اليابسة الى منفذ مهم لا يستهان به، تجاه تواصلنا والحضارات الأخرى، نشر اباعنا بحرية بالغة، تعرف العالم بقدرة حرفنا العربي على التحاور معها، كما فعل اسلافنا من المفكرين والفلاسفة والادباء، اولئك الذين ادركوا دورهم الفاعل والمؤثر في حضارة الآخر وحواره عبر التواصل معه واحترامه وترجمة آثاره الفكرية.

 

للشعر من طاقة تعبيرية قادرة ملامسة أعماق الروح

حوار جريدة القبس – الكويت

 

أن اشكالية التواصل بين المتلقي والعمل الفني تتمحور في كل مناحي الابداع، كل هذه المظاهر تتعلق بتداعيات قيم الاستهلاك على الصعيد الثقافي، المسألة لا تتعلق بالشعر وحده، لكنها تتأسس لتدمير تاريخ وحضارة عربية، محو هوية وشرفة ابداعية تتباهى بها الأمم. هل هناك تداول جاد للكتاب الإبداعي في فوضى معارض الكتاب خارج كتب الطبخ والفضائح والأدلجة بتنويعاتها العقائدية والفكرية، هل ثمة متابعة رصينة للمسرح أو الموسيقى أو الفن التشكيلي، المصاب يتعلق ببنية مجتمعية قائمة على ترويج ثقافة استهلاكية بلغت من الهشاشة والانهزام حد تسييد التجهيل في كل وسائلنا الإعلامية ومؤسساتنا التعليمية، محو الهوية، تعميم العامية، هكذا تنهج دوائر الفعل الثقافي والاعلامي في مجتمعاتنا بتيسير أطماع المؤسسات الصناعية الغربية برساميلها الطاغية لإعادة تدوير عائدات النفط واسترجاع مدفوعاتها من هذه الشعوب عبر السيطرة على رغباتهم الاستهلاكية، تغييب “الجمهور” وتوجيه رغائبه نحو اهتمامات بعيدة عن تحدياته الإنسانية والحضارية.

منذ إنسان الكهف الأول الذي حفر على الصخر أول حرف ليبلغ العالم مدى وحشته، ليحتمي بكتابة شبه حياة أخرى أقل إيلاماً وأقسى أملاً، منذ آنذاك وحتى الآن يشكل الشعر مشهدنا العربي البهي الوحيد في مواجهة الخلل المتمثل في عالم عنيف لا يكف عن هوى التدمير وجناية الكبح لحياة لا يرضاها المبدع لروحه وجسده في آن.

الإبداع على مر العصور كان ولم يزل خط الدفاع الأول عن حرية الكائنات، بدئا من ذاك الكائن الرخوي المحتمي في صدفته وهو يحول انتهاك الرملة لطراوة عزلته الى لؤلؤة فاتنة، في تجربة الشعر العربي الراهن لا توجد إشكاليات تتعلق بتفرده أو بحضوره المتميز، ولنا أن نسأل: بماذا تحتفي المؤسسات الثقافية الغربية من نتاجات العرب الإبداعية؟ هل تحتفي بالمنجزات العلمية أو الاكتشافات التقنية أو الفكرية والنقدية والفلسفية، تلك المؤسسات تستضيف وتترجم وتحاور الابداع العربي بما يشتمل عليه من شعر ورواية وتشكيل وموسيقى، وغيرها من الفنون التراثية والمعاصرة، لكونه المنجز الوحيد الذي أتقنه المبدعين العرب وهنا أشير للأبداع المتميز الذي استطاع أن يفرض فرادته على الآخر.

أن ضعف التواصل مع التجارب الإبداعية تحقق نتيجة ضعف فعل القراءة وليس انعدام الكتابة، الشعر الحديث غير موجود في مناهجنا التعليمية ولا وسائلنا الإعلامية بما يليق به، ما عدا ندرة من امسيات خجولة، كما لعبت الهجمة التي تعرض لها الشعر الحديث على كل المنابر والتي ما زالت رحاها مستمرة دوراً مشيناً في تعميق الهوة بينه وبين القراء، وهذه من مصائب ثقافة الاستهلاك تجاه واقعنا الثقافي المتأسس على جملة من الانهيارات القيمية والرؤيوية تجلت في سيطرة الثقافة الواحدية، غياب مكونات المجتمع المدني المتحضر المشتغل على لغة الإبداع ومحاورة الآخر لتحقيق الشراكة في صناعة العالم، مما أدى لتخلق واقع استهلاكي شل حياتنا بأكملها، ضمن اقتصاديات غير منتجة، هكذا تعرض الابداع المنشغل بدفوعاته وبتميزه لصعوبات بالغة للتواصل والآخر، هذا الذي تم إشغاله وإلهائه بالابتذال الاستهلاكي السلعي والثقافي عبر سياسات إعلامية قائمة على التجهييل المستمر.

ضد كل ذلك يتقد التحدي الابداعي، لما للشعر من طاقة تعبيرية قادره على الكشف وملامسة أعماق الروح لا أوجاع الناس فحسب بل نبض الكون، هذا هو الشعر، اما الهذر المتمثل في اللغو السائد واستسهال الكتابة فلا يسمى شعراً، ثمة شعر يتلو ما تراه الروح بهدوء بالغ، وثمة شعر تحتشد له الأكف وهو يهدر على المنصات، وللمتلقي حرية الاختيار بينهما.

أما أن يكون للشعر شأناً “جماهيرياً” فأعتقد بأن هذا المفهوم الديماغوجي أتقنت تسويقه حمى الشعارات، عندما كان الشاعر يستند لترويج قصيدته النارية على الحزب أو المؤسسة الأدبية التي تدعمه، عندما كان الدعاة يسندون ضجيجه بالتصفيق وحماس الهتافات، حيث لا صوت يعلو على صوت المعركة التي رفعت راياتها المهترئة مبكراً.

منذ ذلك الوقت والشعر يتعرض لتحديات فنية لا تتكئ على نحت الحرف بحرية بالغة، تضفير الصورة الشعرية بابتهالات حكيمة، جريئة في تصديها للحدوث، مضامين متغايرة، تحديات غير مرتهنة للآخر، بل للذات في انشطارها نحو الآخر.

عودة الشعر لمعتركه الحقيقي هذا، أذاب الضلال المغوي المتعلق بجماهيريته وصخب الكفوف، أعاده لقارئ وحيد مثله، يلتذ بقراءة الحروف دون وهم واحد يتعلق بذرى المجد وندهة الخلود.

ان علاقة الشعر كمعطى ثقافي حضاري ابداعي مع “الجمهور” يتأثر بعوامل عديدة منها مستوى العمل الفني والذائقة الفنية والمعرفية للمتلقي التي تستطيع مواكبة الرؤية الشعرية. أما فيما يتعلق باهتمام النخب فهي مسألة متاحة لهم بحرية وتندغم ضمن ذائقيتهم الفنية، كل فن له بؤر نخبوية تتسع شيئا فشيئاً مع ارتقاء الشعوب الحضاري.

إذا اتفقنا على تماهي الإبداع بالحياة ذاتها وتحديداً الشعر، نصل لماهيته: الدفاع عن قيم الإنسانية والحرية والعدالة ووحدة الاختلاف، كماهية وصيرورة الحياة ذاتها، الحياة هذه المدافعة الشرسة عن نقاوة الأرض وبراءتها، ضد ما يحدثه الشر الكامن في البشر من حروب وتدمير وقتل ودخان كل نهار.

 

إستفاقة الريكي وهي تسري في الروح والقلب واللغة

جريدة الوقت- البحرين

باسمة القصاب

 

“تجربتي مع الريكي اسهمت في نمو وتنوير كل ما يتعلق بي جسدياً وروحيا ونفسياً وفكرياً. وبالتالي عمقت رؤيتي لحقيقة ذاتي ولمعنى لحياة واضاءت طريقي الروحي، وهنا يكمن مدى تأثيرها على تجربتي الشعرية، ثمة فعل جوهري تحدثه تجربة المصالحة مع الذات والتوائم والتناغم الروحي، حيث تزدهر الرؤيا الشعرية بمعطيات إنسانية فلسفية عميقة تنعكس على رؤى ولغة النص الشعري”.

الشعر بالنسبة لفوزية السندي، تجربة تمضي مكتنزة بذخيرة روحها، أو هكذا تصفها، هذه الذخيرة لا تفتأ تقول ذاتها المرة بعد المرة. التجربة الشعرية هي استفاقة مرة، وملاذ للروح مرة، ومهب آخر مرة، وحنجرة غائبة مرة، وهي ألم ترتهن له مرات ومرات. في تجربتها الشعرية تسألنا فوزية السندي: هل أرى ما حولي؟ هل أصف ما حدث؟ ثم تجيبنا بعد قليل: لا أرى ما حولي لا أصف ما حدث. أما في “الريكي” الذي تعرفته السندي عام 2003، فثمة تجربة أخرى. تجربة أعادت شحن ذخيرة روحها بالطاقة الكونية لا اللغوية هذه المرة. تلك الطاقة التي أمدتها باستفاقة أخرى، وبملاذ آخر للروح، ومهب آخر، وحنجرة أخرى، وصارت روحها رهينة للتوائم والتناغم بدلاً من الألم.

مع الريكي لا تقول فوزية السندي لا أرى ما حولي لا أصف ما حدث. بل إنها تتصالح مع كل ما حولها فتقول وتصف.

بروفايل: كيف تعرفت على الريكي وبأي عام؟

السندي: تعرفت على الريكي من خلال الصديقة العزيزة الكاتبة والماستر د. منيرة الفاضل وذلك عبر جلسات استشفائية وحوارات ومتابعات ودورة تدريبة في المستوى الرابع قدمتها مشكورة، كل ذلك اسهم في فتح آفاق مهمة للريكي غيرت حياتي، وكانت دوماً خير معلمة وصديقة تعلمت من خلالها الكثير وأتقدم لها بالشكروالعرفان لما قدمته لي وللآخرين في البحرين وخارجها ، أيضاً من خلال القراءة عن العلاج بالطاقة الحيوية ومتابعة المواقع المتخصصة، في يناير 2003 حضرت كورس الريكي للمستوى الأول مع المعلم “تارنس كولمن” وهو معلم فرنسي حضر الى البحرين لتقديم جلسات علاجية وكورسات تدريب على الريكي. ثم تطورت علاقتي بالريكي عبر مواصلة التدريب والتعلم من خلال الانتقال التدريجي من المستوى الاول والثاني والثالث حتى الرابع، ثم الحصول على درجة ماستر(معلم) في الريكي (جن كي دو) وماستر في الأنرسنس الذي انتهيت منه مؤخراً مع

د. رانجا بريماراتنا في استراليا، بحيث اتمكن من تقديم دورات تعليمية وجلسات استشفائية.

بروفايل: ما الذي أثارك للدخول إلى هذا العالم؟

السندي: عندما أتممت جلسات الريكي مع الصديقة د.منيرة الفاضل لاحظت التطور الشفائي الذي حدث لي على اصعدة متعددة وهذا ما شجعني لتعلم الريكي، وعندما بدأت التعلم انفتحت امام ناظري أبواب من المعرفة والحكمة والتأمل الروحي، يكفي ان يتعلم المرء طرقاً متعددة للاستشفاء الذاتي ومن ثم مساعدة الآخرين، لأن الريكي يعمل على توازن الطاقة الداخلية والتي بدورها تساعد على إيصال الطاقة عبر المسارات إلى كافة الأعضاء الداخلية بجسم الإنسان لبلوغ هذه الدرجة من التناغم الصحي وتحقيق الانسجام بين العقل والروح والجسد، ويحقق التوازن الداخلي والخارجي للانسان مما يعمل على تفجير الطاقات الكامنة لديه ليصبح منتجاً وسعيداً ونافعاً لنفسه ومجتمعه.

بروفايل: كيف وجدت عالم الريكي بدايات دخولك؟ هل ثمة ما أخافك منه بداية، وما الذي شدك إليه؟ هل غير الريكي نظرتك لذاتك، والآخرين، والعالم؟

السندي: هل ثمة ما يخيف فيما ذكرت، ان تتحسن صحة الانسان بشكل جذري وتتدفق الطاقة الايجابية في مساراتها لتساعده على اعادة صياغة رؤيته لاكتشاف حقيقة ذاته والعالم، والأعمق من ذلك ان تتغير حياته نحو المزيد من المحبة والعطاء والرحمة والغفران والتسامح والأمل، أمام كل هذا لا مجال للحديث عن الخوف بل عن الفرح الطاغي والغبطة الروحية والسلام الداخلي والتصالح مع الماضي، المثابرة لأثراء الحاضر وتحسين آفاق المستقبل، ان ما شدني لتعلم الريكي هو طبيعته المحبة والرحيمة نحو الذات والآخرين، وكل تلك النتائج الجوهرية التي يتضمنها فهو يساعد الانسان على التغلب على المخاوف المرضية، والتخلص من القلق والتوتر، والشعور بالطمأنينة، كما انه يحفز الجهاز المناعي ويسهم في تقويته وتسريع تجدد الخلايا، ومن ثم تعزيز قدرة الجسم على الشفاء الداخلي من جميع الامراض.

بروفايل: أي طبيعة استطاع الريكي أن يناغيها في شخصية فوزية السندي أو يعمقها؟

السندي: أجمل ما في تجربة الريكي انه يعمق وينمي ويصقل طبيعة الانسان الحقيقية التي خلقها الله، تقدير نعمة الحياة والتعاطف مع كل الكائنات الحية، ينير قلوبنا بالمحبة المطلقة وغير المشروطة، المحبة الكونية التي تتقاسم قلوب البشر وتضئ أرواحهم منذ الأزل، رغماً عن كل المؤثرات السلبية التي تعاظمت لطمس نورها المديد، كل هذا العنف والدمار والحروب والألم والشقاء الذي صدع الكوكب بالشرور، كل الطغيان الذي لا يزال يسهم في تحديث وتصدير واستمرار هذا الخراب.

الريكي طاقة نور تسرف في اضاءة القلوب بالمحبة والرحمة نحو الحياة والارض والكون.

بروفايل: ماذا أضاف الريكي إلى شخصية فوزية السندي المثقفة والكاتبة والشاعرة؟

السندي: تجربتي مع الريكي اسهمت في نمو وتطوير كل ما يتعلق بي جسدياً وروحيا ونفسياً وفكرياً ، وبالتالي غيرت رؤيتي لذاتي وللحياة، وهنا يكمن مدى تأثيرها على تجربتي الشعرية، ثمة فعل جوهري تحدثه تجربة المصالحة مع الذات والتوائم والتناغم الروحي، حيث تزدهر الرؤيا الشعرية بمعطيات انسانية فلسفية عميقة تنعكس على رؤى ولغة النص الشعري، واتمنى ان أكون قد اتقنت تخليق تلك المشارف في كتابي الشعري الجديد “أسمى الأحوال” الذي قدمته للطباعة مؤخراً، وكتابي الآخر الذي يمثل سيرة شعرية بعنوان “عتبات تتعثر بطفلة البيت”.

أن الحديث عن اضافات الريكي لحياتنا أمر يطول الحديث عنه، يكفي أن تسألي أي متدربة عن علاقتها بالريكي سوف ترد بعبارة واحدة: ان الريكي غير حياتي كلها.

بروفايل: هل يمكن أن نتحدث عن تحولات (فكرية، اجتماعية، دينية، ثقافية، علمية..) عشتيها بعد دخولك عالم الريكي؟ كيف؟

السندي: بالطبع، كل التحولات التي اشرت لها تحققت عبر سريان الطاقة الايجابية ونفاذ طرائق التفكير الايجابية بشكل عميق، اي عبر تشكل الوعي الذي تخلقه الطاقة ذاتها في مراكزها الفاعلة ضمن جهاز الطاقة في اجسادنا، وليس من خلال الارشادات أو الشعارات أو النصائح الذهنية، الريكي تجربة روحية فيها ممارسة يومية وتفاني حقيقي من اجل التطور والتفتح الروحي عبر مساعدة الذات والآخرين، الريكي طاقة حيوية للاستشفاء من أسباب الألم والشقاء الانساني، طاقة تثمر الوعي الذي يتأصل في مراكز الطاقة ويقوي جهاز المناعة، طاقة تجابه كل مصادر الطاقات السلبية المنتشرة في حياتنا، وعي شمولي يهتم بكل التفاصيل من المأكل والملبس والتفكير والكلام والمشاعر والسلوك والكتابة وعلاقتنا مع الآخرين، كل حياتنا تخضع لعملية تطهير وتنقية دؤوب نحو الحضور الايجابي الفاعل في الحياة بشكل عميق.

بروفايل: هل تجدين أن هناك علاقة بين الريكي والتصوف؟ كيف؟

السندي: تتسم تجربة التصوف الاسلامي بمفهوم يتسع لتجارب متباينة في دلالتها الروحية، لذا يتعين الاشارة الى ان بعض التجارب الصوفية المتعمقة في نهجها الروحاني الكشفي تتصف بصيرورة وجدانية وروحانية تقارب تجربة الريكي، هناك تجليات تحددت بينهما ضمن مدى الطاقة ومدارك الوعي في حضارات وثقافات مختلفة، كلاهما ينشدان طريق التحقق عبر مجاهدات التنقية والتفتح الروحي نحو المحبة والنور، ثمة انشغالات متشابهة لترسيخ رؤى فلسفية تندغم بمعارف انسانية تسعى لإشاعة قيم الحرية والتسامح والغفران والرحمة والحنان والمحبة والعمل الجدي والفاعل من اجل الدفاع عن الانسانية والحياة لحمايتها من كل اشكال الطغيان والشرور والخراب. التصوف تجربة روحية اختصت بها الثقافة الاسلامية في حضارتنا العربية، أما الريكي فهو تجربة روحية كونية متاحة لكل البشر.

بروفايل: ألا تعتقدين أن تدريبات الريكي تحتاج إلى تفرغ لا تسعه انشغالات الحياة اليومية؟

السندي: هل ثمة انشغالات أهم من أن نعمل على تنظيم اوقاتنا لنقضي بعض الوقت من أجل تحصيل هذا التطور الايجابي الصحي الجسدي والنفسي والفكري لنا أو للآخرين، الأهمية هنا لا تقاس بالوقت، الريكي ذاته يعمل على تنظيم أوقاتنا من خلال تطور الطاقة وبالتالي الوعي بأهمية تنظيم الوقت وعدم التهاون بقيمته، أما انشغالات الحياة اليومية فيما أراها فهي تتسع للكثير من التفاصيل غير المجدية والاستهلاكية بطبيعتها، نحن من أمهر شعوب العالم في اضاعة الوقت وعدم احترامه بل نجده ” عذرنا الدائم للانشغال عنه واهداره” والمبرر المثالي للتشبث به ضد ما هو مفيد ومجدي.

بروفايل: ما معدل عدد الساعات التي تمارسين فيها الريكي يومياً؟

السندي: من الصعب تحديد عدد الساعات التي امارس فيها الريكي، جلسات التأمل تعتمد على الفرد ذاته ومدى عمق علاقته مع الريكي، وهذا ينطبق على تجربتي أيضاً، الوقت معادل متغير وليس ثابت ويتأثر بالمستوى الذي يصل اليه المتدرب، يطول كلما ارتقينا نحو مستويات تدريبية وروحية أعلى، اما بالنسبة لاوقات علاج الآخرين فهي تستغرق ساعة لمدة 3 ايام متتالية في الاسبوع.

بروفايل: هل يمكن أن تروي لنا عن بعض تجليات الطاقة التي مررت بها، سواء لوحدك أو مع آخرين؟

السندي: أجمل التجليات للطاقة الاستشفائية تتحقق عندما أصغي الى آراء وتجارب المتدربين في دورات المتابعة أو المتعالجين حين يتحدثون عن حدوث تحسن صحي ما أو حياتي تحقق لهم وغير حياتهم نحو الأفضل، اما على صعيد تجربتي الشخصية فالتجليات لا تنحصر في مجال محدد لأتحدث عنها، كونها مستمرة الحدوث والتنوير لكل مناحي حياتي وعائلتي التي تأثرت بشكل كبير، فقد تعلم أبنائي الريكي في سن مبكرة واستفادوا منه في حياتهم، اقوى تلك التجليات شعوري الدائم بالسلام الداخلي والغبطة الروحية والامتنان العميق لله على منحي هذه الحياة.

بروفايل: يبدو وكأن أغلب المهتمات بالريكي هنّ من النساء. لماذا برأيك؟

السندي: ضمن التحولات الايجابية التي عمت العالم كله لتعزيز التوجهات الصحية والروحية الايجابية من أجل مجابهة الدمار الذي يتصاعد هو الآخر، يشكل الريكي احد هذه المقومات الفاعلة ومما يؤكد على ذلك سرعة انتشاره وتبادل الخبرات والوعي به، بالرغم من كون اغلب المتدربات من النساء الا انه يمثل مؤشرأ ايجابياً، فالمرأة راعية الحياة من حيث تنشئة الطفولة ورعاية العائلة، ومن الطبيعي ان تكون مهمومة أكثر من غيرها في البحث عن أفضل السبل لحماية هذه الحياة التي اصبحت موكولة بها، يضاف الى ذلك طبيعة مجتمعاتنا الاستهلاكية التي حولت العائلة الى أم وأطفال فقط بعد ان ازاحت أغلب المهام العائلية عن كاهل الرجال، ومع ذلك هناك العديد من الرجال والاطفال أيضا ينضمون الى دورات الريكي الآخذة في الانتشار كنتيجة لمدى التأثيرات الايجابية التي صارت تتحقق بشكل جلي و فاعل في حياة الافراد والمجتمع.

 

لحظة حنو على بياض الورق

الحياة الجديدة
11-مايو 2005

– “لحظة البدء في كتابة القصدة” هل من الممكن وصف هذه اللحظة الشعرية، وكيف يتم اختيار العنوان كبداية للكتابة.؟

من الصعب، حين الحديث عن الشعر تكثيف النظر في لحظة ما، يبدأ بها منتهاه، كبدء الشعر مثلاً، أراه شاغلاً يبدأ قبل الكتابة بكثير من الوقت، حيث يحيا من يكتب في مواجهة معطيات الحياة وتواليفها الصعبة.
يتخلق الشعر كالهواء في غياهب الذات، ويظل يتلظى من أتون الآخر، كما الجنين في ظلمات الجنة.
يبدأ الشعر من هناك، يجول حثيثاً بانتظار لحظة السكون المهيأة لتلقي حنوه على بياض الورق كما المهد تماماً.
كثيراً ما أجفل من انسياب النص على الورق، ليس مكاتبته لي، بل اندلاقه دون تخطيط أو تهيأة ما، سوى انفعال غريب تشيعه غواية بياض الورق على جهازي الفاتن، فتبدأ الأصابع بخبط نهايات الحروف لتتعاضد الكلمات وهي تتناهض هكذا.
غموض تلك اللحظة ليس لها ما يفسرها، غير الحنين لمكاشفة الذات واكتشافها في آن.
من الصعب أن نستدل على بدء اللحظة الشعرية، ربما تتخلق في منتهى النص، من حيث ثبوتية عمقها أو دلالتها على العنوان مفتتح النص.
فيما يتعلق بتجربتي الشعرية، أرى استحالة حقيقية في تعريف أو تفسير تلك اللحظة، هتافها الغريب على الأقل، لا غير اندهاش عميق من أول سطر تحقق، ليليه ما يليه، ثمة انهمار لا يتوقف، يسترسل كما النهر حتى نبض آخر حصاة فيه.
النهاية تشبه البداية بغموضها الذاهل: لماذا توقفت عن الكتابة؟ لا أعرف، السؤال ذاته من الممكن إحالته في الاتجاه المخالف: لماذا أكتب الآن تحديداً؟ لا أعرف.
بالطبع هذا التقصي الكشفي لا يتقصد الكتابة التي تقع تحت تسمية الشعر الموسوم بالمناسباتيه أو الأغراض الشعرية لغاية بعيدة تماماً عن نزف الروح ومراياها، الحديث يعتمل تجاه الشعر وحده.

“قبل الورقة قلما أرى
وبعدها يضل النظر.”

هذا بالتحديد ما يحدث لي، كون الشعر يقتفي لحظة الحب، كل تعريف يفسده.. كل اشتغال نقدي يتجاوز محتواه ويسرف في أدواته الصقيلة لتشريح ما يعتقده جثة خاضعة لأزاميله ومعاوله، يفشل.
عندما يكاد الشعر يضاهي الحياة، يحيا بنبض عنفوانه بشكل مستقل الى أبعد حد، حتى من يكتب يصاب بالذهل حين إعادة قراءة نصه، إلى حد يصعب عليه تشذيبه من اندفاعات رؤيويه تتشاكل عليه، خبرة الكتابة وخبرة مجايلة الحياة بحساسية نادرة، تدوزن هذا الفعل لدى الفنان، تشغله عما حوله، تصيبه بصمت عارم يفزّز خفوت حنجرته، يلاغي الناس دون أن يراهم أو يصغي لهم، ينداح لحالة خاصة مشغولة بهجس دائم لا يعيه، كل هذه الاحتمالات آن الحياة تلهب المخيلة لارتشاف ما تقوى عليه من مجاهدات الحياة، مخيلة تصطبغ بالمسكوت عنه والكامن والمكبوت، تشحذ خزائنها بالكلمات والعلائق اللغوية والإيقاعية، من أجل تشريف إنسان سوف يصله الليل سريعاً ليواجه الورق.
عادة، ما أن أبدأ النظر إلى البياض، يرتسم العنوان، منفذ لا يستهان بها لأغواء النص، شرفة بخطورة الأمل لما سوف يتحقق من عتمة مجاهيل الذات، بعدها تتحور الكلمات لتنساب وهي لا تعرف كيف ولا لماذا ولا إلى أين؟.

 

تشعل ذاكرة هذا الوطن بحبرها وحريتها في آن

جريدة الوقت- مملكة البحرين

الكاتب: خالد الرويعي

إذا افترضا أن الحركة الابداعية النسوية في البحرين – توثيقاً ومعرفة- بدأت منذ 40 عاماً تقريبا، وهنا ستخذلنا التواريخ، ومن هذا كله نشعر أن ثمة ضعف هنا وهناك على مستوى الحضور الابداعي للمرأة.. اذ يمكننا ان نضع معادلة بسيطة وعليه فإننا سنجد أن مقابل 15 رجلا هناك امرأة في الحقل الابداعي، وسنغض الطرف هنا عن التباين في مستوى الكتابة ومدى تأثيرها.. ولكن الأمر برأي يستدعي حوارا بشكل مختلف، إذ علينا ان نسأل لماذا هذا الحضور الضعيف.. بالتأكيد سنرجع هنا إلى الخلفيات الاجتماعية التاريخية من جهة ووأد المرأة ذهنياً.. ولكن كل ذلك لا يعفينا من السؤال لماذا؟

ففي حضور الشعر ثمة تجربة أو تجربتين أو حتى ثلاث؟ وهذا يشمل أيضا مستوى التنظير.. في المسرح والتلفزيون ثمة حضور هامشي فقط.. واقصد هنا أن الساحة الفنية تكاد تخلو من عناصر نسائية جادة على مستوى الطرح والنقاش والفكر؟ في التشكيل ايضا ثمة فقد.. لماذا؟ نعرف ان الوضع الثقافي له دور مؤثر – وهذا الوضع – هو ايضا ضعيف؟ ولكن لماذا ايضا؟

والكثير الكثير من الحديث:

– كيف ترين حضور المرأة في التجربة الابداعية؟

– المسألة الابداعية مسألة جادة لا تقبل بأنصاف الحلول.. وما نراه في 90% من تجارب النساء يعد ترفاً في حين أو استجداء لصوت الرجل.. ثمة تقاعس نسوي وثمة ضيق أفق.. ما رأيك؟

– ففي حالة مثل حالات المسرح مثلاً.. عدد الممثلات في المطلق قليل.. وعلى مستوى الجدية والنضوج والطرح يبدو شحيحاً.. أليس هذا وضعا يرثى له.. ام ان الوقت كفيل بإخراج الجديد؟

– إذا افترضنا أن ثمة (لوبي) ذكوري وقائم على الفطرة.. ألا تعتقدين أننا بحاجة إلى (لوبي) نسوي وقائم على القصدية.. أم ترين أن ذلك ايضا تحجيم ويضيق الفجوة أكثر؟

– من الصعب عند الحديث عن مساهمة المرأة البحرينية في التجربة الابداعية، أن نغفل عن مواطن الخلل التي تواجهها كمواطنة أولا على المستوى القانوني والسوسيو اقتصادي عن تعسف الواقع الحياتي، ومدلولاته التراكمية التي عمقت فعل التغييب الذي تعرضت له فيما مضى، وفيما يشتد الآن، من تنامي لكوابح قيميه تتصاعد ضد صوت المرأة، المتخفي منه والمعلن ايضاً.

أحد أهم هذه التجليات تمثلت في المواطنة المنقوصة التي عملت على اقصاء المرأة من المشاركة الفعلية في مراكز صنع القرار، وبالتالي في كافة أنشطة الحياة الأخرى، كما تشير لذلك الوهن، كل تقارير “برنامج الأمم المتحدة الانمائي” و أحد أهم المؤشّرات التي تعكس بوضوح ضعف مشاركة المرأة العربية في الحياة السّياسيّة هو نسبة تمثيل النّساء في البرلمانات العربيّة، الذي يشكل أضعف نسبة تمثيل برلمانيّ للنّساء في العالم على الإطلاق، ويدلنا مؤشر تمكين المرأة والذي هو حصيلة عدة مؤشرات، على أن البلدان العربية بالرغم من ثرائها تصل إلى مرتبة ما قبل الأخيرة من بلدان العالم.

يضاف الى ذلك، نفوذ “ثقافة التمييز” الفاعلة في المنظومة التعليمية والاعلامية، العاملة على تغييب صورة المرأة، وإحلال الصورة النمطية التقليدية، كل هذه المحددات يدعمها نفاذ التابو الاجتماعي، ترسيخ الأبنية الأبوية ومواريث سلطتها الذكورية، كما لا يغيب عن أحد، مدى المصاعب الأسرية، وتبعاتها التي أثقلت بشكل محموم كاهل المرأة وحدها، كل عائلة تتعدد في مجتمع يرزح تحت هجمة طوفان استهلاكي مدمر، كما أدلهمت العديد من الضغوطات النفسية والإستلابية، لتؤازر هذه القسوة كلها.

عندما نقترب من المشهد الثقافي، لنقتفي تجربة المرأة، حتماً سنصطدم بتسلط “ازدواجية ذكورية” تنساح على المشهد كله، هذه الظاهرة المستفحلة تجاه كتابة المرأة، نراها تستبد في كل دول العالم، مع نسبية ما، في تجليها هنا أوهناك، أغلب الكاتبات – حتى في الغرب- يعانين من تلك الازدواجية التي تحرص على تعميق دونية المرأة ، التعامل معها بتمييز جنساني بشع، حيث لا أحد يحتكم للنص الابداعي أو التجربة الفنية، مهما اتقدت، وانشغلت بنحت الذات، يظل المعيار الراسخ هو النظر للمرأة كموضوع لا كذات مستقلة، إذا كان هذا البلاء قد تحقق في دول عززت مفهوم المواطنة منذ قرون، فما بالنا ببلاد لم تزل تحبو نحو ذلك.؟

ترتسم هذه الازدواجية في كل معطيات المشهد الثقافي، المستمد تداعياته من حركة الثقافة العربية المثخنة هي الأخرى بكل تلك الاستلابات نحو تجربة المرأة.

أتحفظ على تعبير (لوبي ذكوري)، لكون المتنفذ هو منظور ازدواجي ذكوري يتخلل النظر المتاح لكتابة المرأة، وبالتالي بقدر ما هو تعبير(لوبي) مرفوض مبدئياً، لا أرى مواجهته بتشكيل (لوبي نسوى، كما يتم استدراج العديد من الكاتبات لذلك المبتغى)، حينها نكون قد أستوردنا أسوأ مفردات العمل السياسي، نحو شرفة ابداعية، أشد شفافة وملائكية من كل تلك المداهنات، خطورة كتابة المرأة تشتعل بما تشتمل عليه من قدرة على الفضح، الكشف، المغايرة، إعلاء الصوت، المجابهة بقوة الحرف وحرية الحبر.

بالرغم من كل تلك المثاقيل التي مضت، استطاعت المرأة البحرينية أن تواجه معترك الحياة بفاعلية منتجة، ومتميزة أيضاً، من خلال مشاركتها في العملية التنموية، أثبتت قدرتها واستقلاليتها على مجابهة تلك الصعاب، حتى على صعيد الابداع بشكل عام، نشهد الآن أغلب التجارب الجديدة في الشعر لأقلام نسائية، كما تنامت المواهب في التمثيل والفن التشكيلي تحديداً، ولكن ضعف هذه المشاركة يعبر عن مدى سيادة النظم الأبوية التي تواجه حضورها، بالذات الآن، فقد صرنا نتعرف على مواهب شعرية تكتب بأسماء مستعارة، خوفاً من نفوذ الأهل، ناهيك عن المحذورات الاجتماعية التي تصطدم بها، والتي لم تكن بهذه القسوة طيلة زمان مضى.

لقد برزت العديد من التجارب النسائية في الآونة الأخيرة، ولقد أسهم مشروع النشر المشترك بين “ادراة الثقافة” و”المؤسسة العربية للنشر”، في دعم العديد من المواهب الجديدة، كما أن تعدد المنابر الثقافية سوف يلعب دوراً في اضاءة تلك التجارب.

أن التحديات الراهنة أمام النص الابداعي، اضحت أشد صعوبة، مذ تحولت إلى رهان مع الذات، مذ تمحورت لسبر أسئلة الهوية، تخليق أتون التجربة، تحقيق فرادة النص، تحول التنافس بين المبدعين، لتحد آخر بين المبدع وذاته، فردانية مطلقة، لها أن تتقد وتتقدم بمنجزها، وحدها. ينهال هذا الملمح، في عموم المشهد الابداعي العربي، مذ سقطت المتكئات الحزبية والأسانيد السياسية، المجلات والمؤسسات المسيسة، تلك التي كانت تعمل على تسييد التجارب الادبية ضمن مفهوم متهالك لا علاقة له بالأبداع، بل للترويج لحمى الشعارات، بعدما انتهى كل ذلك، اتقد التحدي الوحيد الذي تبقى للمبدع مع ذاته وحدها، أمام النص وحده، حيث الموهبة وحدها.

أمام هذه التحولات، شهدنا تراجعاً لأسماء عديدة وتقدم لمواهب استطاعت مواجهة تلك التحديات، لم يعد الابداع ذا انتشار افقي بل عمقي، معني بأسئلة الابداع وحدها.

فيما يتعلق بندرة الاصوات الشعرية النسائية، نراها تتحقق في بلدان بتعداد سكاني ضخم مثل مصر والمغرب، نراها تعد على اصابع اليد، فما بالك ببلد صغير مثل البحرين.

هناك منحى آخر، أثر على الحضور الابداعي للرجال والنساء معاً، في الأدب، المسرح، الفن التشكيلي، الدراما، الغناء، المؤسسات الثقافية، وإن أحدث خللاً أعمق لدى التجارب النسائية، لطبيعة التحديات التراكمية التي أشرت لها، هنا، لا أشير لضعف الدعم المؤسساتي الحكومي تحديداً، طيلة الوقت الماضي، لكن لدوره في تهميش تلك التجارب والمواهب، الاحتفاء وحده، كان يتحقق لكل تجربة عربية تصل إلى البلاد، لحد ذهول هذه التجارب مما تلاقيه من مكانة مبالغ بها، وكثيراً ما كنا نصغ لها، وهي تشير لتغييب التجارب البحرينية عن تلك المحافل، تميز هذا الفعل في كل قنوات الاتصالات الأخرى، ثمة مكنة اعلامية آخر ما تكترث به الموهبة البحرينية.

أن التجربة الابداعية في البحرين، لم تتكل يوماً، أو تنتظر مساندة من أحد، بل اتقنت مواجهة تحدياتها، في أصعب الظروف القامعة، لتتقد وتشعل ذاكرة هذا الوطن بحبرها وحريتها في آن.

 

رؤى تتصدى للألم، وتنثر رحيق الأمل

جريدة الاتحاد

  • في ديوانك الأخير ” رهينة الألم “احتفاء كبير باللغة والصورة الفنية الجديدة وتشكلاتها البصرية والحسية كيف تصف فوزية السندي علاقتها مع اللغة؟
  • اللغة هويتي، علاقة تنمو وتتشكل كطاقة تعبيرية في ذاتي، تتمحور لتشبهني، وعندما تتخلق على الورق، تتنهد لتبلغني ما يحدث في أغوار ذاكرتي، تطفو بقدرتها على حفر رؤاي، اللغة منحة كونية، تتسامى على هيئة حروف تتشابك لتضميد السطر بكلمات تقتفي إثر بعضها في جملة شعرية ما، لكنها تنز في حقيقتها من نقطة تلو الأخرى، خالقة تركيبة من الذبذبات المنتشية بحال الروح، مهارة تتوارد على السطر وهي تحفر بخطاها الحريرية ما لا ننساه من معان وصور، ما يوقظنا من رؤى تتصدى للألم، وتنثر رحيق الأمل. اللغة أناي العميقة.
  • كتبت عددا من المجموعات الشعرية ضمن قصيدة النثر، كيف ترين مستقبل هذه القصيدة؟

– عندما اكتب لا أخضع لتوهم الرهان على المستقبل، أحيا حاضري بملء حبري، اكتب ما أراه، وجدارته ستضىء خطاه نحو الجيل القارئ، أو من سيخترق فعل الكتابة، وإذا لم يكن، فجميل أنى قرأت ودونت روحي طيلة حياتي. النص الشعري المتأني والمترفق بنبضات القلب يظل صداه يتعالى ويتردد لاكتنازه بالطاقة الصقيلة والرائية.. تنهدات أزلية تتهادى كما الموج على عزلة الجسد.

  • يلاحظ أن قصيدتك دوما قصيدة طويلة بالنسبة لقصيدة النثر وبتفاصيل روحية وفضاء حواري داخلي مشبع، هل تعتقدي إمكانية قراءة بعض قصائدك على شكل مقاطع مستقلة؟
  • من حق الآخر قراءة ما يشاء من الشعر وبالكيفية التي يراها تريح حواسه.
  • كيف تخلص فوزية السندي في نهاية الأمور إلى قصيدتها أي فضاء يذهب بك إلى النص وكتابته؟
  • الفضاء الوحيد الذي يعتريني لحظة الكتابة هو رغبتي في مكاشفة ذاتي، امضاء الوقت السري الصائت والمتصدي لي، الاخلاص كامن في فعل المجابهة، وفعلها ليس عنيفاً كما يستقى من معنى هذا الفعل، بل نسيم المغوي، ما أن يهل حتى ارتاح وأروح، لذا كتبت:

” قبل الورقة قلما أرى

و

بعدها يظل النظر.”

  • وهل الكتابة لاتزال وسيلة الشاعر إلى خلاصاته؟
  • لا تزال ولن تنعدم، دامت الحياة تشن تحدياتها الأليفة والقاسية، دمنا نحيا في عالم بلغت شراسته حد تصدير الرعب والسموم والدخان كل نهار، دمنا نحيا جمال الطبيعة الباهر والمتصدي للعنف، دمنا نرى رفيف البحيرات، بهاء الغروب، سنا الليل، الشعر تخليص للكائن من أدران شقائه، علاجه بالحروف، تشفيف أذاه لذاته، مداواته بالمحبة الكامنة في حكمة الأزل.. الشعر علاج لعلة الألم في الحياة عندما تعنفنا ونعنفها، وغبطة عندما نتهادى في خيلائها ونرتاض في أرواحنا:

” لأوازيك بعصاي الضريرة

دْلني أيُّها الأعمى، لينابيع فيوضي.”

  • قصائدك عن الموت والفقد والرحيل ومسحة الحزن فيها والبوح الشفيف وتلك القدرة الجميلة على الدقة في صياغة العبارة بحيث تكونين بعيدة دوما عن العائم والضبابي.. من أين اكتسبت فوزية السندي كل هذه الشفافية أهي ذاكرة الطفولة أم يتجاوز ذلك إلى فهمك الخاص باللغة؟
  • الموت صديق الجسد كما الحياة تماماً، البشر من اضافوا له طقوس الرعب، هو رحيل هادئ، مهم، لنجلو غوامض الوجود، لنرى ما هنالك من عوالم أخرى، تجربتي مع الموت تمثلت في شعري، لحساسية التقصي لدي لغوامضه، ولعي بتوطيد معرفتي به، وتجلت أكثر أثناء كتابة “رهينة الألم” حيث كان الموت كامناً لي، توجعت كثيراً لفقد صديقتي “عزيزة” وأمي “موزه” وأبي “محمد” على التوالي، ثمة شهور قليلة بينهم، زرت المقبرة في وداعات تتالت علي، عرفت معنى البكاء عندما لا يستقر، لذا تماثلت كتابتي بتدوين آثاره للطفولة معلم وحيد أهداني حساسية البدء، شفافية الرؤية المتعلقة بمعنى الوجود وأسئلته الحائرة آنذاك، البوح جناحي الوحيد، كنت طفلة تتعثر بعتبات البيت، كما كتبت:

“مصفدة أكثر مما ينبغي،

محتواة بحديد لا يُحد

مدشنة بغريب العبء،

مرسلة لمثاوي الحجر

ومع ذلك،

أحاول أن أحلّق بأقصى جناح يحتمل.”

  • تختزلين العبارة الشعرية وتقتصدي اللغة هل تشتغلي على قصيدتك وإيحائها دوما ؟ وألى أي مدى
  • لا اشتغل أنما أتشاغل عن الحدوث المتصنع لدوام اللغة، عندما اتعامل مع اللغة كأداة لتوصيل المعنى، أفقد حميمية التواصل الحي معها كطاقة فاعلة ونابضة وحية، طاقة تحتزن وترسل الترددات والذبذبات الصادرة عن نواتها والكتروناتها، طاقة مشمولة بوعي هيولي، لذا اتشاغل بمعنى الذهاب العميق نحو المجاهيل، مجاراة اللا أين، أنسي مهنة كتابة القصيدة كما تمهن في راهننا، أنساب.. لأصل إلى نقطة لاتصل، خالقة نماء النص الطبيعي، من يختار مداه حين تصل النقطة بعفوية بالغة وتوقف البوح.:

“كحصاة في منتصف الطريق لا أصل

ولا شأن لي بالعودة

لأصل”

  • “أيها النصل

كل الطرق المؤدية الى هناك مغلقة

كيف نصل؟”

–         كيف ترين الكتابة الإبداعية للمرأة في الخليج.. وأنت شاعرة تكتبين خارج الفضاءات الضيقة في الكتابة النسوية؟ هل تجاوزت المبدعة برأيك هموم المرأة فقط إلى آفاق أوسع؟؟

– ثمة تجارب شعرية اسهمت في تقديم اجتهادات شعرية مهمة، تجاوزت الأطر الضيقة نحو مشافهة الرؤى الانسانية بعمق آخاذ، حيث تعتمل الذات في حضورها الخاص مع عموم الحال، تفاعل بين الأنا والآخر، تناغم يحتوي هتف الحواس، من الصعب قسر الرؤى الشعرية ضمن اشتغالات محدودة تشوه شساعة الشعر ومداه الكوني:

“الشعر،

حصاري الوحيد الشاسع.”

  • وهل لذهاب الكثير من الشعراء إلى كتابة الرواية شأن بمقولة ضعف الشعر أو تراجعه؟ كيف نفسر هذه الوفرة في كتابة الرواية؟
  • نفسرها بحرية التعبير عن بلاغة الروح.
  • كيف رأيت تجربة ترجمة إبداعك؟ وإلى أي مدى يمكن لروح القصيدة العربية اليوم أن تصل إلى الآخر؟
  • جملة شعرية واحدة تكفي لإيصال القصيدة للآخر، حيث تكمن الاحاسيس والمشاعر النبيلة، الترجمة فعل حنين للتواصل، تذكير الإنسانية بحديقة الروح الحافلة بهذا العالم، حيث تتجاور الاختلافات ويعطر الورد صمت الكون ببهاء صداه، أشعر بتقدير عميق لكل من رافق كلماتي، واعاد تركيب حروفها بلغات صديقة، أحببت اجتهاده وشكرته بمواصلة الكتابة.
  • كتب عن تجربتك الشعرية العديد من المقالات النقدية، هل تابعتها جميعا؟ وهل برأيك لحق النقد بتطور النص وتجريبه وجديده الدائم؟
  • التجربة النقدية العربية تراخت عن متابعة الجديد، وتجديد أدواتها لمجاراة اجتهادات النص الشعري الراهن، التهت كثيراً في اعادة الحديث السهل عما كتب من قبل، ما عدا القليل من الإلتماعات النقدية النادرة التي نجت من براثن الاستهلاك النقدي.
  • ما هو جديد فوزية السندي؟ وهل يحمل جديدا من حيث عوالمه وتعاطيك مع اللغة وتصوراتك للكون الجديد؟
  • صدر هذا كتاب” أسمى الأحوال” عن مؤسسة الانتشار العربي، وكتب على غلافه الأخير:

سمِّه السرَّ،

لأسميك السراج الحافل بمسراه.

دعوها تكتب

حوار أخبار الخليج

(1)

التحديات الكامنة أمام الإبداع تتعدد وتتوعد بذات الكاتبة التي ما أن تقارب الورقة حتى تتيقن من مدى هذا الوعيد، بالذات عندما يتقد التحدي الرؤيوي والإبداعي في كل نص لتحقيق الأمل الذي يعتريها: بلوغ كتابة تليق بخفق القلب واحتدام الذاكرة، كتابة لا تؤجل ما اعتراها من محن تتصاعد، كل عمر يمضي ليحتويها بما تستحق، بمدى قتل الوريد، نثر حبر الكتابة، ليتعالى وهو يشافه رهو الروح.

هذا هو الإشكال الأبلغ، الذي يستفحل لإهدار كل عنف جاور كتابة المرأة، كما أرى لإشعال مثل هذا الحوار، والذي نحتدم به كل ليل يطغى بنفوذ نبال الحروف، لكونه التحدي البليغ أمام كل كتابة تحتد.

ولكن لمنحى السؤال الراهن الذي يتحدر كل وقت، وهو يقلق النفس، مصراً على محاورة جلواه. السؤال الملازم لطبيعة الصعوبات التي تتعرض لها الكاتبة فيما يتعلق بشأن الأسرة ورعاية الأعباء، من هموم يومية وتفاصيل حياتية تتعلق بالبيت وحده، وما مدى اصطدام كل هذا بمدى مداومتها على الكتابة؟ هكذا يستغيث السؤال..

أبدأ مداولة هذا المحور باستنهاض ذات الهجس الذي بدأت به الحديث، لأسأل: كيف لمن تتحدى النص الشعري ذاته وتسعى كل الوقت لإتقان مدى قدرتها على نحت فرادة البوح ومكاشفة المسكوت عنه وإعلان مرام الشغاف على الورق كل ألم.. أن تُهزم أمام معترك وعبء لا بد منه، وهبته أياها الحياة كل عائلة، أسأل: كيف؟

هنالك صعوبات لا بد منها، وهذا شأن الحياة، ولكن.. لا يمكن لها- و لا أبالغ في هذا الشأن فيما رأيت من وقت صعب- أن تقف حائلاً أو أن تتحول لمسعى تدميرياً لنبض الكتابة، لكون هذا الخلل – الابتعاد عن الكتابة-لا يحدث من مداهمة التفاصيل التي تحدثها مهام العائلة و لا حتى الحياة ذاتها التي أراها تشكل أقسى التحديات – التي لا يقوى عليها الجحيم ذاته – التي تجابه الكاتبة في سعيها للشهادة على ما يهديه لها العالم من مخالب و هزائم و يأس يستبد، الخلل يتأصل و يتفعل عميقاً كالصدأ الفاعل على تفتيت حديد الروح، لإحداث القطيعة بين ذات الشاعرة و الورق لعوامل ذاتية أخرى، لا العائلة و لا الآخر و لا الأطفال ولا العالم ولا الكون كله … قادر على وأد صوتها أو كسر حرية حنجرتها، لا. ليس هو من يحدث انكساراتها، ويدعها لتنحاز لانكفاء يبتعد عن مهاتفة الذات، و لكن لحدوث قصور ذاتي، انشغال عن الكتابة،الإلتهاء بجسد بات يحتمل روحاً لا تشعل التحدي، لا تقوى على حتم التصدي و التصدع كل سطر، لا يعنيها النهل المعرفي، لا تديم إصراراً على محاورة عماء الورق بذخيرة الحبر، و لا استنهاض رجفة تنير الحواس، روح لم تعد تأبه بما يحتل غوامض الذات و لا خوافي النفس، جسد لم يعد يعتمل بجذوة الشعر كما تبتغي له حفاوة الذاكرة، التي تكاد تذبل من وطأة النسيان و سهو الغفران لهواة تدمير رهاوة الإنسان، سادة هذا العالم.

عندما تلتحم المرأة العربية بالكتابة كشرفة لتسريح المكبوت وكسر فخار الذاكرة، عليها ألا تتوهم بطريق كالبحر يحتفي بخطاها، ولكن لها – كما الموج-أن تحتد كل صعب، بما لم تتخيل مدى سطوة قسوته، لكونها آن الكتابة، تستطلع شأن الخافي وتدين الحاصل من نبذ، تشعل الورق بما يشهد على زمان لها حتى آخر يأس يتوصى بمستقبل للأمل.

الأمومة واحتمال عبء العائلة، أراها التزام إنساني تجاه شغاف القلب، تتعلق بأقل القليل نحو دورها الأنثوي في هذه الحياة، زهاء ينوع النبت وطلوع الورد كل طفل يتأهب لوقت قد يراه.

العائلة رغم كل المهاوي التي تعتريها والمصاعب، تظل تجربة لا تؤجل الكتابة أو تقصيها.. بل جمرة رغماً عن الرماد … تشحذها حتى آخر حرف كالفحم.

للطفولة نعمة لا يستهان بها، هي المعلم الأول لرهافة الخلق، تجربة الحمل والولادة ومراعاة براعم تشهق حتى تتورد، أراها المنهل الأهم لتخليق أتون الشعر، لبذخ حساسية للهتف، كل طفل اهتواني لأتعلم منه فداحة الشعر، حتى وإن ارتخت الأصابع عن الكتابة. وهذا ما حدث لي طيلة وقت تحصين الرحم وإشعال الحضن لصبية ثلاثة، مازالوا يراوغون حب الكتابة، طيلة ذاك التمهل العذب تجاه تدوين الشعر، لم يغادرني الوله لحنان الورق ولا خفة الحبر. لحظة واحدة، كنت أكتشف كيف يتهاطل ينوع الخلق وتبزغ الأعضاء آن الحمل، كيف تبتهل النفس وهي تشرف على براءة رضع يحترفون يباس الخطو كل أرض تبدو رحيمة بخطاهم، ثمة شعر لا يوصف، بدا ينحت لي غمر الهواء كل طفل يحبو ويلتاذ ببسمة الهمس، زخم تجربة لا أواري الدمع الذي يتأهب كلما تذكرت نقاوة وشقاوة حلولها، لذا تيقنت من أن المبتلى برحمة البوح وملاذ الشعر لا يلهيه عنه أي شيء، حتى آخر نبض يتشبث بخلعة الروح: من غير الموت، ولي أن أبعث الشك أيضاً.

ليست العائلة وحدها من يسرف في هبوب الأعباء والتفاصيل التي تزاحم وقت الشعر ولكنها الحياة ذاتها الأدهى بما لا يوصف وقدرتها على سرد كل شيء لمداهمة من توصي الوقت ليكون رئيفاً بحروف تكاد تصل الورق، لذا لابد من بلوغ الذات الشاعرة قدرة على التشبث بها وحدها، لتستحث التحدي الكامن في تاريخها وذاكرة إرثها العتي، لتجابه وحدها، مع من يستولي عليه مصاب الكتابة، مصير من يكتب في زمن عربي يمتاز بانهيال صدوعه، ورماحه التي تتصاهل كل هزم.

التحدي الكامن أمام كتابة المرأة العربية يتصف بتقصي رهان المخيلة، بالتحدي الذي يستحث كل ما يتقد آن الحياة لدوام نهضة الكتابة، تدبير الوقت الصعب عبر مفاضلة تتم بوعي صقيل، للتخلي عن زائف الهدر الاستهلاكي المتمثل بكل ما يعمل على انهمار اللغو، التغاوي عن هيمنة سيادة التسليع لكل مظاهر الزيف، وكل ما يبتغي الإسراف وهدر ما لا طائل له، من نفيس الوقت..

أخيراً تعريف الحياة والعائلة.. بأن ثمة هواء ووقت للكتابة لا ينبغي تخريب حريته، هنالك من تحدق في ليل يتيم لتحتمل فضاء الورقة، لتجفل آن سقطة الحبر كل حرف يجتبي تركة العزلة، ليدون معترك الجسد ورعدة الروح…

لا عذر لأحد ينتهك رهان وحدتها وليس لأحد أن يوقظ حلم الحرف الحاضن رؤاها، دعوها لتكتب.

 

تجتهد لتتقن نحتها بفرادة تدوم على الورق

هدى الجهوري

جريدة عمان – سلطنة عمان

فاجأتني الكاتبة الكندية مارجريت أتوود، وهي تطرح هذا السؤال الصاخب في كتابها “مفاوضات مع الموتى”:

ما هي الكتابة. هل هي نشاط إنساني، أم أنها تكليف إلهي أم هي مهنة، أو عمل مضجر نؤديه من أجل المال أو لعلها – أي الكتابة- فن، ولماذا يشعر كثير من الناس أنهم مجبرون على أدائها؟ ما الذي نعنيه بالضبط عندما نقول كاتبا؟ أي نوع من الكائنات نتصور؟

فرجينيا وولف ترى أن الكتابة تشبه السير في حجرة مظلمة ممسكة بمصباح يضيء ما هو موجود في الحجرة بالفعل.

مارجريت لورانس تشعر عندما تكتب أنها يعقوب يصارع ملكه في الظلام وهو فعل يجتمع فيه الجرح والسباب والمباركة في آن واحد.

وهنالك من قال إن الكتابة هي: “جمل – بفتح الجيم- صعب المراس”.

فما تصورك أنت عن الكتابة التي تمارسها.. عن الموقف الذي تجد نفسك فيه؟؟

– الكتابة فعل اختراق للصمت واكتشاف للذات في آن، ذاكرة ننصت للحياة من خلالها و ونرصف السطور بحروف لا تنشغل الا بحوافها الصعبة وأسئلتها النادرة، حرية لا تحد، الزمان والمكان مكونان يتقاطعان ويؤثران عمقياً في أتون الموهبة، لكنهما لا يحكمان تلك الجذوة المتقدة بجرأة الكلمات وجنة الرؤى، فهي دائمة البحث عن مكان يتسع لأقاصي حريتها، وزمان يحتمل آفاق رؤيتها، الكتابة وهي تكتشف مغاوير الذات الانسانية وهمومها، تجتهد لتتقن نحتها بفرادة تدوم على الورق.

كتابتي تعبر عما يتوافد في اعماقي من اسئلة وحوار دائم، وعما يتدافع نحوي من تجارب حياتية مكتومة بمقاديرها، عندما أكتب تتقدم تلك الاعتمالات الفكرية والفلسفية بتلقائية وتندغم في صور شعرية تتراكض نحو نهب المنتهى، ثمة تجربة شعرية تتخلق بذخائرها التي احتدت وهي تصطك في اعماق روحي قبل ان ترى نور البياض.

شاعرية التأمل طريقة لاستعادة الروح لاتزانها وسكونها بعيداً عن ضجيج العالم، للعزلة بمعنى الانفراد بالروح ضرورة بالغة لتشريف الشعر لضيافة الورق، بطبعي أحب الهدوء والصمت، الشعر زاد من توقي لمشاغلة الذات ومحاورتها، سواء عبر الكتابة أو خارج الكتابة، لدى عناية فائقة لترتيب المكان ليبدو أكثر ليلاً، لتهيئة الروح لتغدو اشد اشتعالاً.

الكتابة كالهواء.

كالحياة لا نشعر بصعوبة ينوعها على الأرض وهي تبدع الحدائق والغابات والأنهار والجبال العصية على التحديق، الحرف وهو يتقد على الورق لا يقل عن الفحم الذي تبلر في غوامض مناجم الروح ليضيء كالألماس واهب الرؤى.

 

امرأة تنام في الكون وتفتش عنه

حوار خلود فلاح

 

_ الشعر طاقة تعبيرية محملة بتحديات الروح للحياة.

تكتب فوزية السندي فينساب النص بشفافية تعكس تطلعات الشاعرة ورؤاها في الحياة والموت، الحب والكره، الحرية والكبت.

قصيدتها تبحث عن تميزها وهي كما تقول أحيا بمتعة الاكتشاف.

عبر فضاءها الإلكتروني تمكنت من التعرف على كتابات الشاعرة، وهذا ما يدفعني للقول شكرا لشبكة الإنترنت على هذا التواصل الجميل.

للشاعرة فوزية السندي صدر: استفاقات، هل أرى ما حولي، هل أصف ما حدث، حنجرة الغائب، آخر المهب. ملاذ الروح رهينة الألم.

 

* تقول الشاعرة إيميلي ديكنسون “عندما تقرأ نصاً فتصيبك تلك الرعشة، فأعرف أنك تقرأ شعرا” والشاعرة فوزية السندي ماذا تقول عن الشعر؟

– الشعر طاقة تعبيرية محملة بتحديات الروح تجاه هذه الحياة، حدوث القشعريرة آت من تلقينا لذبذبات وترددات طاقية صادرة من الحروف ذاتها، مشحونة بمشاعرنا، معبرة عن حالنا، تلك حروف تتسق في كلمات تتضامن مع بعضها لإشعال صورة شعرية مؤثرة، هذه الذبذبات هي طاقة صادرة من التجربة الإنسانية طيلة حياتنا، وكلما اقترن الشعر بحرارة الصدق التعبيري كلما استطاع أن يخلق هذا التأثير الملائكي بعمق أشد شفافية وأبعد مدى:

مصفدة أكثر مما ينبغي،

محتواة بحديد لا يُحد

مدشنة بغريب العبء،

مرسلة لمثاوي الحجر

أحاول أن أحلّق بأقصى جناح يحتمل.

الحرف طريق الحبر/الحبر ضريح الحرف/يمضيان الحياة والموت معاً/بلا هلع البدء ولا مسرة النهايات/لذا يتقنان كل شيء.

*هل يمكن الحديث اليوم عن علاقة بين النص الحديث والواقع إذا كان النص الحديث لا يهتم إلا بما هو هامشي أو مهمل؟

– أحد أوجه مصاب المشهد الثقافي العربي كامن في تلك الاطلاقات، والتعميمات أمام الشعر بالذات، كيف لا يكون للشعر صلة بالواقع وهو صادر عن كائن حي يحيا ويتأثر ويكتب، إذا كنا نتحدث عن الشعر وليس النظم أو تحبير الورقة بالكلمات، النص الشعري الصادر عن موهبة تحدق في الحياة، لا يتخلق على الورق إلا إذا كان يومض بنبض القلب:

قبل الورقة، قلما أرى

وبعدها،
يضلُّ النظر.

*

الغبار حكمة الصحراء

به تداوي غرور تلالٍ تتصاعد.

*

عندما تنتزع الأفعى جلدها الأخير

تحرضه دومًا على نحت جديدها القديم

لتتقدم به.

*

للزواحف موهبة أصابع

ترتسم دومًا على ترابٍ ضرير

لتكسر سر هذا الطريق.

*في ديوانك”رهينة الألم”أجدك تؤثثين لفلسفة الغياب والفقد والوجع والحب. لماذا؟ وما الذي على نصك ان يقوله ويسمعه؟

– رهينة الألم تجربة تكثفت مالاتها من خلال وقت ادلهمت فيه تجارب الفقد وأنارت لي علاقتي ومعرفتي بالموت، رحيل صديقتي ووالدتي ووالدي تباعاً، خلال شهور قليلة تفصل بينهم، وقت أتقنت فيه معنى الألم عندما يضفي حكمة الحياة وجلال المحبة على قلوبنا، كنت بحاجة للتوغل أكثر في مناجاة روافده وتفاصيله طيلة الألم، لذا بدأت النهل من بئر روحي، لأتمكن من تجاوز تحدياته العنيفة آنذاك.

الشعر مرآة روحي التي أنصت لها:

رهينة الألم:

كتابة، لم أكتبها.. لأكتشف الألم

بل لأعرف مداه

و
مآلات صداه.

 

*مما يتشكل العالم الذي تحلمين به؟

– الحلم يغوينا لتدارك الأسئلة التي لابد من معرفتها لنتمكن من معرفتنا، العالم ليس ما أحلم به بل ما أراه يتشكل أمامي، وأتوق لاكتشافه ومعرفته أكثر، محاولة التماس معه بعمق، التغيير يبدأ منى لا منه، لأعرفه اجتهد لمعرفتي، ممتنة للحياة التي ترافقني في كل نبض ونفس، لنا أن نقدر معنى هذا الهبة، فلا نهدر النعم بتصاعد العنف والتخريب وتزايد الألم وتعميم الشقاء الإنساني، الحياة لا تلام، بل أنفسنا ونحن نورث الدمار تلو الدمار:

كل ورقة، أشعل الليل

ليخجل من فحم حرف

صار أشد منه

 

عندما نال الليل

ما يعجز عنه جائر الحرف

أسلمت ردائي لعنوة الصباح

لطلقة تستبد بفيء الليل

كأني لم أحيا لغير ضوء الرصاص.

*القصيدة اليوم تبحث عن تميزها، أن تكون مغامرة، عن نبض حياة جديد. هل قصيدة فوزية السندي تبحث عن ذلك؟ وهل للمخزون المعرفي دوره في الكتابة؟

– المعرفة زاد الرؤيا التي تنساب على الورق، والمعرفة ليست المنهالة علينا من مصادر الثقافة الإنسانية فقط، بل تناغم هذه المنابع مع الوعي الكوني الصادر من شمولية التجربة الإنسانية، من تماسنا مع مصائر الحياة وكائناتها.

كل عمل فني رؤيوي يتقد بتميزه لكونه يعبر عن روح متميزة، فريدة بكل تفاصيلها وصفاتها عن الآخرين، ليست نصوصي ما تبحث عن ذلك بل أنا أيضاً أحيا الحياة بمتعة الاكتشاف والبحث الدائم:

الكتابةُ كالنمرة،

ملتاعة بموهبة توآتي براعة العضل

بغرورِ طيشٍ يستحل هبوبَ المخالب

بطش عنيف ضد من لا يباريه،

ومن لا يهتال منه.

 

*كيف يمكن الوصول إلى حداثة شعرية متجددة تسعى إلى ارتياد فعل التجريب والمغامرة؟

– لا أعرف كيف، بل أكتب ما أحياه لأعرف، الطريق أجمل من الوصول إلى غايات ونهايات عظمى، الكتابة وحدها تكفي:

الشعر كما النهر،

مبتلى باندفاع حروف عنيدة

تستميت،
لئلا تمس من أحد.. مرة أخرى.

 

بعدما بعثرت ثيابها وارتدتك

أغلقت غرفتها/واعتنت بغيابك.

*تكتبين بحس الأنثى أم بحس الأنثى الشاعرة؟

– أكتب بأحاسيس تشبهني.

امرأة تنام في الكون

وتفتش عنه.