إستفاقة الريكي وهي تسري في الروح والقلب واللغة


جريدة الوقت- البحرين

باسمة القصاب

 

“تجربتي مع الريكي اسهمت في نمو وتنوير كل ما يتعلق بي جسدياً وروحيا ونفسياً وفكرياً. وبالتالي عمقت رؤيتي لحقيقة ذاتي ولمعنى لحياة واضاءت طريقي الروحي، وهنا يكمن مدى تأثيرها على تجربتي الشعرية، ثمة فعل جوهري تحدثه تجربة المصالحة مع الذات والتوائم والتناغم الروحي، حيث تزدهر الرؤيا الشعرية بمعطيات إنسانية فلسفية عميقة تنعكس على رؤى ولغة النص الشعري”.

الشعر بالنسبة لفوزية السندي، تجربة تمضي مكتنزة بذخيرة روحها، أو هكذا تصفها، هذه الذخيرة لا تفتأ تقول ذاتها المرة بعد المرة. التجربة الشعرية هي استفاقة مرة، وملاذ للروح مرة، ومهب آخر مرة، وحنجرة غائبة مرة، وهي ألم ترتهن له مرات ومرات. في تجربتها الشعرية تسألنا فوزية السندي: هل أرى ما حولي؟ هل أصف ما حدث؟ ثم تجيبنا بعد قليل: لا أرى ما حولي لا أصف ما حدث. أما في “الريكي” الذي تعرفته السندي عام 2003، فثمة تجربة أخرى. تجربة أعادت شحن ذخيرة روحها بالطاقة الكونية لا اللغوية هذه المرة. تلك الطاقة التي أمدتها باستفاقة أخرى، وبملاذ آخر للروح، ومهب آخر، وحنجرة أخرى، وصارت روحها رهينة للتوائم والتناغم بدلاً من الألم.

مع الريكي لا تقول فوزية السندي لا أرى ما حولي لا أصف ما حدث. بل إنها تتصالح مع كل ما حولها فتقول وتصف.

بروفايل: كيف تعرفت على الريكي وبأي عام؟

السندي: تعرفت على الريكي من خلال الصديقة العزيزة الكاتبة والماستر د. منيرة الفاضل وذلك عبر جلسات استشفائية وحوارات ومتابعات ودورة تدريبة في المستوى الرابع قدمتها مشكورة، كل ذلك اسهم في فتح آفاق مهمة للريكي غيرت حياتي، وكانت دوماً خير معلمة وصديقة تعلمت من خلالها الكثير وأتقدم لها بالشكروالعرفان لما قدمته لي وللآخرين في البحرين وخارجها ، أيضاً من خلال القراءة عن العلاج بالطاقة الحيوية ومتابعة المواقع المتخصصة، في يناير 2003 حضرت كورس الريكي للمستوى الأول مع المعلم “تارنس كولمن” وهو معلم فرنسي حضر الى البحرين لتقديم جلسات علاجية وكورسات تدريب على الريكي. ثم تطورت علاقتي بالريكي عبر مواصلة التدريب والتعلم من خلال الانتقال التدريجي من المستوى الاول والثاني والثالث حتى الرابع، ثم الحصول على درجة ماستر(معلم) في الريكي (جن كي دو) وماستر في الأنرسنس الذي انتهيت منه مؤخراً مع

د. رانجا بريماراتنا في استراليا، بحيث اتمكن من تقديم دورات تعليمية وجلسات استشفائية.

بروفايل: ما الذي أثارك للدخول إلى هذا العالم؟

السندي: عندما أتممت جلسات الريكي مع الصديقة د.منيرة الفاضل لاحظت التطور الشفائي الذي حدث لي على اصعدة متعددة وهذا ما شجعني لتعلم الريكي، وعندما بدأت التعلم انفتحت امام ناظري أبواب من المعرفة والحكمة والتأمل الروحي، يكفي ان يتعلم المرء طرقاً متعددة للاستشفاء الذاتي ومن ثم مساعدة الآخرين، لأن الريكي يعمل على توازن الطاقة الداخلية والتي بدورها تساعد على إيصال الطاقة عبر المسارات إلى كافة الأعضاء الداخلية بجسم الإنسان لبلوغ هذه الدرجة من التناغم الصحي وتحقيق الانسجام بين العقل والروح والجسد، ويحقق التوازن الداخلي والخارجي للانسان مما يعمل على تفجير الطاقات الكامنة لديه ليصبح منتجاً وسعيداً ونافعاً لنفسه ومجتمعه.

بروفايل: كيف وجدت عالم الريكي بدايات دخولك؟ هل ثمة ما أخافك منه بداية، وما الذي شدك إليه؟ هل غير الريكي نظرتك لذاتك، والآخرين، والعالم؟

السندي: هل ثمة ما يخيف فيما ذكرت، ان تتحسن صحة الانسان بشكل جذري وتتدفق الطاقة الايجابية في مساراتها لتساعده على اعادة صياغة رؤيته لاكتشاف حقيقة ذاته والعالم، والأعمق من ذلك ان تتغير حياته نحو المزيد من المحبة والعطاء والرحمة والغفران والتسامح والأمل، أمام كل هذا لا مجال للحديث عن الخوف بل عن الفرح الطاغي والغبطة الروحية والسلام الداخلي والتصالح مع الماضي، المثابرة لأثراء الحاضر وتحسين آفاق المستقبل، ان ما شدني لتعلم الريكي هو طبيعته المحبة والرحيمة نحو الذات والآخرين، وكل تلك النتائج الجوهرية التي يتضمنها فهو يساعد الانسان على التغلب على المخاوف المرضية، والتخلص من القلق والتوتر، والشعور بالطمأنينة، كما انه يحفز الجهاز المناعي ويسهم في تقويته وتسريع تجدد الخلايا، ومن ثم تعزيز قدرة الجسم على الشفاء الداخلي من جميع الامراض.

بروفايل: أي طبيعة استطاع الريكي أن يناغيها في شخصية فوزية السندي أو يعمقها؟

السندي: أجمل ما في تجربة الريكي انه يعمق وينمي ويصقل طبيعة الانسان الحقيقية التي خلقها الله، تقدير نعمة الحياة والتعاطف مع كل الكائنات الحية، ينير قلوبنا بالمحبة المطلقة وغير المشروطة، المحبة الكونية التي تتقاسم قلوب البشر وتضئ أرواحهم منذ الأزل، رغماً عن كل المؤثرات السلبية التي تعاظمت لطمس نورها المديد، كل هذا العنف والدمار والحروب والألم والشقاء الذي صدع الكوكب بالشرور، كل الطغيان الذي لا يزال يسهم في تحديث وتصدير واستمرار هذا الخراب.

الريكي طاقة نور تسرف في اضاءة القلوب بالمحبة والرحمة نحو الحياة والارض والكون.

بروفايل: ماذا أضاف الريكي إلى شخصية فوزية السندي المثقفة والكاتبة والشاعرة؟

السندي: تجربتي مع الريكي اسهمت في نمو وتطوير كل ما يتعلق بي جسدياً وروحيا ونفسياً وفكرياً ، وبالتالي غيرت رؤيتي لذاتي وللحياة، وهنا يكمن مدى تأثيرها على تجربتي الشعرية، ثمة فعل جوهري تحدثه تجربة المصالحة مع الذات والتوائم والتناغم الروحي، حيث تزدهر الرؤيا الشعرية بمعطيات انسانية فلسفية عميقة تنعكس على رؤى ولغة النص الشعري، واتمنى ان أكون قد اتقنت تخليق تلك المشارف في كتابي الشعري الجديد “أسمى الأحوال” الذي قدمته للطباعة مؤخراً، وكتابي الآخر الذي يمثل سيرة شعرية بعنوان “عتبات تتعثر بطفلة البيت”.

أن الحديث عن اضافات الريكي لحياتنا أمر يطول الحديث عنه، يكفي أن تسألي أي متدربة عن علاقتها بالريكي سوف ترد بعبارة واحدة: ان الريكي غير حياتي كلها.

بروفايل: هل يمكن أن نتحدث عن تحولات (فكرية، اجتماعية، دينية، ثقافية، علمية..) عشتيها بعد دخولك عالم الريكي؟ كيف؟

السندي: بالطبع، كل التحولات التي اشرت لها تحققت عبر سريان الطاقة الايجابية ونفاذ طرائق التفكير الايجابية بشكل عميق، اي عبر تشكل الوعي الذي تخلقه الطاقة ذاتها في مراكزها الفاعلة ضمن جهاز الطاقة في اجسادنا، وليس من خلال الارشادات أو الشعارات أو النصائح الذهنية، الريكي تجربة روحية فيها ممارسة يومية وتفاني حقيقي من اجل التطور والتفتح الروحي عبر مساعدة الذات والآخرين، الريكي طاقة حيوية للاستشفاء من أسباب الألم والشقاء الانساني، طاقة تثمر الوعي الذي يتأصل في مراكز الطاقة ويقوي جهاز المناعة، طاقة تجابه كل مصادر الطاقات السلبية المنتشرة في حياتنا، وعي شمولي يهتم بكل التفاصيل من المأكل والملبس والتفكير والكلام والمشاعر والسلوك والكتابة وعلاقتنا مع الآخرين، كل حياتنا تخضع لعملية تطهير وتنقية دؤوب نحو الحضور الايجابي الفاعل في الحياة بشكل عميق.

بروفايل: هل تجدين أن هناك علاقة بين الريكي والتصوف؟ كيف؟

السندي: تتسم تجربة التصوف الاسلامي بمفهوم يتسع لتجارب متباينة في دلالتها الروحية، لذا يتعين الاشارة الى ان بعض التجارب الصوفية المتعمقة في نهجها الروحاني الكشفي تتصف بصيرورة وجدانية وروحانية تقارب تجربة الريكي، هناك تجليات تحددت بينهما ضمن مدى الطاقة ومدارك الوعي في حضارات وثقافات مختلفة، كلاهما ينشدان طريق التحقق عبر مجاهدات التنقية والتفتح الروحي نحو المحبة والنور، ثمة انشغالات متشابهة لترسيخ رؤى فلسفية تندغم بمعارف انسانية تسعى لإشاعة قيم الحرية والتسامح والغفران والرحمة والحنان والمحبة والعمل الجدي والفاعل من اجل الدفاع عن الانسانية والحياة لحمايتها من كل اشكال الطغيان والشرور والخراب. التصوف تجربة روحية اختصت بها الثقافة الاسلامية في حضارتنا العربية، أما الريكي فهو تجربة روحية كونية متاحة لكل البشر.

بروفايل: ألا تعتقدين أن تدريبات الريكي تحتاج إلى تفرغ لا تسعه انشغالات الحياة اليومية؟

السندي: هل ثمة انشغالات أهم من أن نعمل على تنظيم اوقاتنا لنقضي بعض الوقت من أجل تحصيل هذا التطور الايجابي الصحي الجسدي والنفسي والفكري لنا أو للآخرين، الأهمية هنا لا تقاس بالوقت، الريكي ذاته يعمل على تنظيم أوقاتنا من خلال تطور الطاقة وبالتالي الوعي بأهمية تنظيم الوقت وعدم التهاون بقيمته، أما انشغالات الحياة اليومية فيما أراها فهي تتسع للكثير من التفاصيل غير المجدية والاستهلاكية بطبيعتها، نحن من أمهر شعوب العالم في اضاعة الوقت وعدم احترامه بل نجده ” عذرنا الدائم للانشغال عنه واهداره” والمبرر المثالي للتشبث به ضد ما هو مفيد ومجدي.

بروفايل: ما معدل عدد الساعات التي تمارسين فيها الريكي يومياً؟

السندي: من الصعب تحديد عدد الساعات التي امارس فيها الريكي، جلسات التأمل تعتمد على الفرد ذاته ومدى عمق علاقته مع الريكي، وهذا ينطبق على تجربتي أيضاً، الوقت معادل متغير وليس ثابت ويتأثر بالمستوى الذي يصل اليه المتدرب، يطول كلما ارتقينا نحو مستويات تدريبية وروحية أعلى، اما بالنسبة لاوقات علاج الآخرين فهي تستغرق ساعة لمدة 3 ايام متتالية في الاسبوع.

بروفايل: هل يمكن أن تروي لنا عن بعض تجليات الطاقة التي مررت بها، سواء لوحدك أو مع آخرين؟

السندي: أجمل التجليات للطاقة الاستشفائية تتحقق عندما أصغي الى آراء وتجارب المتدربين في دورات المتابعة أو المتعالجين حين يتحدثون عن حدوث تحسن صحي ما أو حياتي تحقق لهم وغير حياتهم نحو الأفضل، اما على صعيد تجربتي الشخصية فالتجليات لا تنحصر في مجال محدد لأتحدث عنها، كونها مستمرة الحدوث والتنوير لكل مناحي حياتي وعائلتي التي تأثرت بشكل كبير، فقد تعلم أبنائي الريكي في سن مبكرة واستفادوا منه في حياتهم، اقوى تلك التجليات شعوري الدائم بالسلام الداخلي والغبطة الروحية والامتنان العميق لله على منحي هذه الحياة.

بروفايل: يبدو وكأن أغلب المهتمات بالريكي هنّ من النساء. لماذا برأيك؟

السندي: ضمن التحولات الايجابية التي عمت العالم كله لتعزيز التوجهات الصحية والروحية الايجابية من أجل مجابهة الدمار الذي يتصاعد هو الآخر، يشكل الريكي احد هذه المقومات الفاعلة ومما يؤكد على ذلك سرعة انتشاره وتبادل الخبرات والوعي به، بالرغم من كون اغلب المتدربات من النساء الا انه يمثل مؤشرأ ايجابياً، فالمرأة راعية الحياة من حيث تنشئة الطفولة ورعاية العائلة، ومن الطبيعي ان تكون مهمومة أكثر من غيرها في البحث عن أفضل السبل لحماية هذه الحياة التي اصبحت موكولة بها، يضاف الى ذلك طبيعة مجتمعاتنا الاستهلاكية التي حولت العائلة الى أم وأطفال فقط بعد ان ازاحت أغلب المهام العائلية عن كاهل الرجال، ومع ذلك هناك العديد من الرجال والاطفال أيضا ينضمون الى دورات الريكي الآخذة في الانتشار كنتيجة لمدى التأثيرات الايجابية التي صارت تتحقق بشكل جلي و فاعل في حياة الافراد والمجتمع.