رؤى تتصدى للألم، وتنثر رحيق الأمل


جريدة الاتحاد

  • في ديوانك الأخير ” رهينة الألم “احتفاء كبير باللغة والصورة الفنية الجديدة وتشكلاتها البصرية والحسية كيف تصف فوزية السندي علاقتها مع اللغة؟
  • اللغة هويتي، علاقة تنمو وتتشكل كطاقة تعبيرية في ذاتي، تتمحور لتشبهني، وعندما تتخلق على الورق، تتنهد لتبلغني ما يحدث في أغوار ذاكرتي، تطفو بقدرتها على حفر رؤاي، اللغة منحة كونية، تتسامى على هيئة حروف تتشابك لتضميد السطر بكلمات تقتفي إثر بعضها في جملة شعرية ما، لكنها تنز في حقيقتها من نقطة تلو الأخرى، خالقة تركيبة من الذبذبات المنتشية بحال الروح، مهارة تتوارد على السطر وهي تحفر بخطاها الحريرية ما لا ننساه من معان وصور، ما يوقظنا من رؤى تتصدى للألم، وتنثر رحيق الأمل. اللغة أناي العميقة.
  • كتبت عددا من المجموعات الشعرية ضمن قصيدة النثر، كيف ترين مستقبل هذه القصيدة؟

– عندما اكتب لا أخضع لتوهم الرهان على المستقبل، أحيا حاضري بملء حبري، اكتب ما أراه، وجدارته ستضىء خطاه نحو الجيل القارئ، أو من سيخترق فعل الكتابة، وإذا لم يكن، فجميل أنى قرأت ودونت روحي طيلة حياتي. النص الشعري المتأني والمترفق بنبضات القلب يظل صداه يتعالى ويتردد لاكتنازه بالطاقة الصقيلة والرائية.. تنهدات أزلية تتهادى كما الموج على عزلة الجسد.

  • يلاحظ أن قصيدتك دوما قصيدة طويلة بالنسبة لقصيدة النثر وبتفاصيل روحية وفضاء حواري داخلي مشبع، هل تعتقدي إمكانية قراءة بعض قصائدك على شكل مقاطع مستقلة؟
  • من حق الآخر قراءة ما يشاء من الشعر وبالكيفية التي يراها تريح حواسه.
  • كيف تخلص فوزية السندي في نهاية الأمور إلى قصيدتها أي فضاء يذهب بك إلى النص وكتابته؟
  • الفضاء الوحيد الذي يعتريني لحظة الكتابة هو رغبتي في مكاشفة ذاتي، امضاء الوقت السري الصائت والمتصدي لي، الاخلاص كامن في فعل المجابهة، وفعلها ليس عنيفاً كما يستقى من معنى هذا الفعل، بل نسيم المغوي، ما أن يهل حتى ارتاح وأروح، لذا كتبت:

” قبل الورقة قلما أرى

و

بعدها يظل النظر.”

  • وهل الكتابة لاتزال وسيلة الشاعر إلى خلاصاته؟
  • لا تزال ولن تنعدم، دامت الحياة تشن تحدياتها الأليفة والقاسية، دمنا نحيا في عالم بلغت شراسته حد تصدير الرعب والسموم والدخان كل نهار، دمنا نحيا جمال الطبيعة الباهر والمتصدي للعنف، دمنا نرى رفيف البحيرات، بهاء الغروب، سنا الليل، الشعر تخليص للكائن من أدران شقائه، علاجه بالحروف، تشفيف أذاه لذاته، مداواته بالمحبة الكامنة في حكمة الأزل.. الشعر علاج لعلة الألم في الحياة عندما تعنفنا ونعنفها، وغبطة عندما نتهادى في خيلائها ونرتاض في أرواحنا:

” لأوازيك بعصاي الضريرة

دْلني أيُّها الأعمى، لينابيع فيوضي.”

  • قصائدك عن الموت والفقد والرحيل ومسحة الحزن فيها والبوح الشفيف وتلك القدرة الجميلة على الدقة في صياغة العبارة بحيث تكونين بعيدة دوما عن العائم والضبابي.. من أين اكتسبت فوزية السندي كل هذه الشفافية أهي ذاكرة الطفولة أم يتجاوز ذلك إلى فهمك الخاص باللغة؟
  • الموت صديق الجسد كما الحياة تماماً، البشر من اضافوا له طقوس الرعب، هو رحيل هادئ، مهم، لنجلو غوامض الوجود، لنرى ما هنالك من عوالم أخرى، تجربتي مع الموت تمثلت في شعري، لحساسية التقصي لدي لغوامضه، ولعي بتوطيد معرفتي به، وتجلت أكثر أثناء كتابة “رهينة الألم” حيث كان الموت كامناً لي، توجعت كثيراً لفقد صديقتي “عزيزة” وأمي “موزه” وأبي “محمد” على التوالي، ثمة شهور قليلة بينهم، زرت المقبرة في وداعات تتالت علي، عرفت معنى البكاء عندما لا يستقر، لذا تماثلت كتابتي بتدوين آثاره للطفولة معلم وحيد أهداني حساسية البدء، شفافية الرؤية المتعلقة بمعنى الوجود وأسئلته الحائرة آنذاك، البوح جناحي الوحيد، كنت طفلة تتعثر بعتبات البيت، كما كتبت:

“مصفدة أكثر مما ينبغي،

محتواة بحديد لا يُحد

مدشنة بغريب العبء،

مرسلة لمثاوي الحجر

ومع ذلك،

أحاول أن أحلّق بأقصى جناح يحتمل.”

  • تختزلين العبارة الشعرية وتقتصدي اللغة هل تشتغلي على قصيدتك وإيحائها دوما ؟ وألى أي مدى
  • لا اشتغل أنما أتشاغل عن الحدوث المتصنع لدوام اللغة، عندما اتعامل مع اللغة كأداة لتوصيل المعنى، أفقد حميمية التواصل الحي معها كطاقة فاعلة ونابضة وحية، طاقة تحتزن وترسل الترددات والذبذبات الصادرة عن نواتها والكتروناتها، طاقة مشمولة بوعي هيولي، لذا اتشاغل بمعنى الذهاب العميق نحو المجاهيل، مجاراة اللا أين، أنسي مهنة كتابة القصيدة كما تمهن في راهننا، أنساب.. لأصل إلى نقطة لاتصل، خالقة نماء النص الطبيعي، من يختار مداه حين تصل النقطة بعفوية بالغة وتوقف البوح.:

“كحصاة في منتصف الطريق لا أصل

ولا شأن لي بالعودة

لأصل”

  • “أيها النصل

كل الطرق المؤدية الى هناك مغلقة

كيف نصل؟”

–         كيف ترين الكتابة الإبداعية للمرأة في الخليج.. وأنت شاعرة تكتبين خارج الفضاءات الضيقة في الكتابة النسوية؟ هل تجاوزت المبدعة برأيك هموم المرأة فقط إلى آفاق أوسع؟؟

– ثمة تجارب شعرية اسهمت في تقديم اجتهادات شعرية مهمة، تجاوزت الأطر الضيقة نحو مشافهة الرؤى الانسانية بعمق آخاذ، حيث تعتمل الذات في حضورها الخاص مع عموم الحال، تفاعل بين الأنا والآخر، تناغم يحتوي هتف الحواس، من الصعب قسر الرؤى الشعرية ضمن اشتغالات محدودة تشوه شساعة الشعر ومداه الكوني:

“الشعر،

حصاري الوحيد الشاسع.”

  • وهل لذهاب الكثير من الشعراء إلى كتابة الرواية شأن بمقولة ضعف الشعر أو تراجعه؟ كيف نفسر هذه الوفرة في كتابة الرواية؟
  • نفسرها بحرية التعبير عن بلاغة الروح.
  • كيف رأيت تجربة ترجمة إبداعك؟ وإلى أي مدى يمكن لروح القصيدة العربية اليوم أن تصل إلى الآخر؟
  • جملة شعرية واحدة تكفي لإيصال القصيدة للآخر، حيث تكمن الاحاسيس والمشاعر النبيلة، الترجمة فعل حنين للتواصل، تذكير الإنسانية بحديقة الروح الحافلة بهذا العالم، حيث تتجاور الاختلافات ويعطر الورد صمت الكون ببهاء صداه، أشعر بتقدير عميق لكل من رافق كلماتي، واعاد تركيب حروفها بلغات صديقة، أحببت اجتهاده وشكرته بمواصلة الكتابة.
  • كتب عن تجربتك الشعرية العديد من المقالات النقدية، هل تابعتها جميعا؟ وهل برأيك لحق النقد بتطور النص وتجريبه وجديده الدائم؟
  • التجربة النقدية العربية تراخت عن متابعة الجديد، وتجديد أدواتها لمجاراة اجتهادات النص الشعري الراهن، التهت كثيراً في اعادة الحديث السهل عما كتب من قبل، ما عدا القليل من الإلتماعات النقدية النادرة التي نجت من براثن الاستهلاك النقدي.
  • ما هو جديد فوزية السندي؟ وهل يحمل جديدا من حيث عوالمه وتعاطيك مع اللغة وتصوراتك للكون الجديد؟
  • صدر هذا كتاب” أسمى الأحوال” عن مؤسسة الانتشار العربي، وكتب على غلافه الأخير:

سمِّه السرَّ،

لأسميك السراج الحافل بمسراه.