قلبي دليلي

 

دلني عليه واستراح

كان قبل أن يستدله

ينبؤني بملامح شغوفة وفؤاد عارم

قميص يخفق من بعيد متأثراً بعطره

شعر أبيض بالقليل من الرماد الذي لم يستو بعد

كنت أراوغ قلقه واصطباره بمهارتي على التلهي

أصغي بحال من الصمم

وكثيراً ما صرت أرتب الفراشات حولي

لتزهو في هواء غرفتي

غير عابئة بهواه

 

لكنه الدليل وتقلبه مهنته القديمة

فأجاز لامبالاة روحي ولا اكتراثي

صار يملأ سلاله بغصون البنفسج من حقول أحلامي

يسرج فارسي على خيل أبيض أو براق مضيء

ليبتسم الحب على شفتي

أو على الأقل

أهفو نحوه

لم أجازف ثانية باستضافة كسر قديم

لم يلتئم الا بعد عمر جزيل

ولكنه غامر بجحودي وقاد هيجاء الغمر

ليخطف رايتي المبتلة

ويعيد لى خفق مبهر

تردد في حوايا روحي ورج عالمي نحوه

 

الحب يرانا ويقطف قلوبنا

كما الوردة الهائمة في غمامة عطرها

لا ندركه

الا حينما نراه

كالهواء يهف بنا

آنذاك لنهتف

يا لنا

 

 

 

 

 

أمين وهو يرانا الآن

 

(1)

منذ «هنا الوردة» وهو يرانا في حديقة روحه، أرواح متلهفة بقلوبها حوله، تتأمل إتقان موهبته وينبوع عطر روحه، تراه يتأمل ما يراه بهدوء وردة تتسامى في هواء الله، قدير يحيا وحده وكتبه وأقلامه وأوراقه في وقت يكتشف مداه. عرفت «أمين» عندما احتميت بالحرف ولُذتُ ببياض لم أعهده من قبل، صديق للقلب، هادئ كما الغيمة وهي تمضي بنقاوة المطر في سماء ملهمة، دومًا يكتشف ذاته وما ينحت الروح، مـتأهبًا ببصيرته لحياة تقترب منه

حذر «أمين» وانحيازه لعزلة مهيبة تجاه ما حوله، علمه أن يتقن صمته، دومًا كنت مفتونة بصمت «أمين» أمام غلو ضجيج يتسابق في تصاعد أزلي، تلهف نحو المنصات وحمى النياشين، حبور برنين أياد تحتد، تدافع حثيث نحو وهم المجد، نحو مزاد أجوف لا يمس الإبداع بِصِلة. ذاك الذي لم يكن يراه «أمين» وهو يمضي لصقل ذاكرة رعاياه بنقاوة قلبه ومهارة موهبته، مليك زاهد ومقتدر يزين مملكته بحكمة بالغة نرتويها على مَهل. عرفته فيما بعد بذهول أعمق عندما بدأت أقرأ هداياه التي أحتضنها بحب، وأتجمل بإهداءات عميقة كقلبه

صمت أمين كان دومًا يذكرني بكلمات الشاعرة إيميلي ديكنسون، التي لم تكن بحاجة إلى المجد: «المجد هو ذلك الشيء البراق الأسى/ الذي يعني السيطرة لحظة ما/ فيدفئ اسمًا مغمورًا لم يعرف حرارة الشمس/ لينقله بعد ذلك/ برفق/ نحو العدم.»

(2)

كتبت منذ وقت مضى وأنا أدون ما مسني من «ندماء المرفأ ندماء الريح»: لست هنا لاقتراف فعل النقد الذي يقسو ليغتبط بذاته، أو الذي يتأهب بعدة السفك ويسوق ما يفترض أنه جثة لبرد الطاولة، ويفاجأ حين يغرز مخرزه لتشريح ما استعصى من أعضاء النص، يفاجأ بصرخة ترديه منذهلًا لما يرى، ويعتقد فيما بعد صعوبة الدخول إلى هذا النص الذي ينزف دمًا لن ينساه من لا يحترز، من لا يترفق بعبء أمين المتخلق جسدًا أكثر رهاوة مما نجزم، فليكسر من أراد أن يتوغل معوله

آن لنا أن نلتذّ بهذا الهواء، إنه الهواء ولا شيء سواه ذلك الذي يحرضنا ونحن نقرأ أن ننسى ما نقرأ وننداح في سلال المتعة التي لا تضاهى، بدخول هذه المغامرة التي تجرجرنا من ردن الصخب الذي يعترينا. ومن لا يفعل لن يغفر ليديه ما التهت به من شأن آخر عندما تتبرأ منه ذاكرة تعرضت لكل هذا الانتهاك الجميل

عندما ينتزع أمين صالح جسده المضمخ بكلام فاضح ويهبهُ ببذخ في العراء ويقول: هذا نداء ندمائي، فماذا ترون؟ لا نرى غير ما نراه أو ما يراه؛ لأننا في كل قراءة (محاذاة) لنصه نكتشف تبدل رؤيتنا للمشهد ولما توقعناه أن يكون، ونبدأ ننسف بأنفسنا وبوعي أكثر اتقادًا ما كنا نراه. ماذا ترون؟ هكذا لا يكف عن مشاغبة أدوارنا فيما لا ندرى؛ لأنه النص الذي يبوح ولا يستباح ولا نجرؤ على تخيل هذا الفعل، لا بابَ للانتظار، كل ما هناك نوافذ للفتح

(3)

هذا هو «أمين» وموهبته المتقدة في رحلة الحياة التي سامر فيها كل تجليات روحه الإبداعية من القصص والروايات والسينما والمسرح والشعر الذي تناهض في ينابيع نصوصه، والكتابة فيما تراه الروح، وكل شيء أمعن في عين القلب ليرى ما يراه وليرانا نُسارّ بياضه الأليف بالتوق لجموح حرفه. يا له وهو يتكئ في ليله الوحيد وينبض بهدوئه المعتاد ويحتضن قلمه الأول ويكتب ما يراه

لا أبالغ إذ بحت بصراحة قلبي عن ندرة قلبه وعمق صداقته بملائكية يجسدها «أمين» بين قلبه وقلوبنا طيلة حياته، مبدع مثله يجتاز الحياة برفقة نقاوة ظله وبراءة قلبه الذي لم يتأخر عن الحب قط. من عرف أمين تعلم معنى الحب المصقول بصدق لا مثيل له، هو من يغدقنا الآن بالحب، بكرمه وتكريمه في آن، كذلك قلبي ممتن لرفقة «الفيصل» على دعوتي لتنوير حديقة قلبي بكلمات قليلة أودعها قلب «أمين»

مشاركة في ملف تكريم “أمين صالح” في مجلة الفيصل الأدبية