فوزية السندي في رهينة الألم: الاحتفاء بمفردات الجسد الغائب

 
 

عابد إسماعيل
 الحياة – 03/07/05   

تمتلك قصيدة الشاعرة البحرينية فوزية السندي تناغماً خفياً، يجعل بنيتها متوازنة، على رغم انغماسها أسلوبياً في عمق تجريب بلاغي يستفيد كثيراً من ثراء المعجم، ومن التجوال الحرّ بين محسّنات لفظية ولغوية تجنح إلى الغرابة أحياناً، لكنها تظل متأصلة في متن الخطاب الأدبي، مستفيدةً من طاقة تعبيرية قوية يمثّلها الزخم العاطفي للصور، والتكرار النفسي لآليات كتابية تعتمد الاقتباس والتضمين، وتتخلّى عن التلقائية وعفوية التعبير، وهذا يتجلّى بوضوح في الانحياز إلى الصنعة الفنية ومهارة الزخرفة، واعتماد الجناس والطباق والتورية، وغيرها، لإيجاد نسيج لغوي متماسك، لا يبتعد كثيراً من الإنشاء الكلاسيكي الرصين، على رغم أن الشاعرة تختار قصيدة النثر نمطاً أدبياً مفضلاً.

في ديوانها “رهينة الألم” الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (2005)، تقدم السندي نصاً شعرياً يحاول ابتكار “مغايرة” لغوية على مستوى اختيار المفردات وتشكيل الجمل، وحياكة النسيج الداخلي للقصيدة، لكنها مغايرة تحوّم على سطح الخطاب من حيث وقفتها المعرفية، ونبرتها الإنشادية. فالسندي لا تهرب من المفهوم التقليدي للقصيدة بصفتها وحدة متكاملة، ينسجم فيها الشكل مع المضمون، وإن ارتأت اللجوء إلى النص المتداخل، الملتف والمتحرك، الذي يبدأ بفرضية متخيلة تكون بمثابة افتتاحية شعرية، ومن ثم يعبر إلى سلسلة من التنويعات المجازية، لينتهي بخاتمة غائمة تضفي نوعاً من التناسق البنيوي على الحبكة المحورية، على رغم غياب الركائز الدلالية التي تجعل الانسجام ملموساً بما يكفي. بمعنى آخر، لا يوجد في القصيدة إحساس واضح ببداية أو نهاية، ولا يشعر القارئ بحركة تصاعدية تقود السّرد من صراع إلى صراع. فالكتابة هنا “انثيال” متواصل خارج إطار النسق، تماماً كمشهد طبيعي تندلق ألوانه خارج أفق اللوحة. لا تهتمّ اللغة بإقامة صرح معماري للقصيدة، أو بتشييد قالب متماسك العناصر، بل نراها تستمر في التدفق، حرةً وقاموسيةً في آن معاً، محافظةً على وقع النثر العربي “الفصيح”، بعيداً من تلقائية الكلام اليومي وتفاصيله، الذي لطالما ارتبط بمفهوم الكتابة النسوية وجنوحها إلى الوصف والعناية بالمنسي والمهمل والغائب. والحق أن أسلوب فوزية السندي، يمتلك قوة تكثيف رمزية تتجاوز شفافية اليومي والشفوي، ويعانق بثقة عوالم ذهنية وفكرية ونفسية، عالية التعقيد، وعالية التجريد أيضاً.

ويمكن القول إن لغة الشاعرة تضيق ذرعاً برأسمالها الرمزي المتداول، ولذا تحاول انتهاك الشائع والمألوف، وتقدّم بلاغة فنية “مقصودة” تريد أن تقارع ذاكرة اللغة المكرّسة، عاكسةً جيشان الرغبة الدفينة وتحولاتها. فالمفردات تذوب أثناء القراءة في نار عاطفة مهيمنة تؤسّس لرؤيا القصيدة، وهي مفردات ملموسة، حسية، متأججة، بل ونارية، مجبولة بالحواسّ الخمس: “مرةً تعاونتُ على حواسّي كلها/ لأتهجّى هبوبكَ، حين مررت” (ص 30). والكتابة، بالنسبة إلى الشاعرة، هي آلية دفاع خفية ضد الموت بأشكاله، أو ضد انمحاء الجسد وذبوله، وإن كان يصعب الجزم في ما إذا كانت اللغة هنا، وبفضل إرهاصاتها المجازية، لا تتحول “مقبرةً” أخرى للرغبة، وتتحول الحروف “نقوشاً” فوق شاهدة ضريح: “إذ/ تعاديني الكلمات/ أسترضيها بانتحار حروف/ تنيرُ حتفَ السطور/ بصعبِ قبرٍ قليل” (ص 71). لكن الكتابة أيضاً شاهدٌ على تاريخ طويل من القمع، وسطوة الآخر، الذكر، الذي لطالما ربط الأنثى بمعاني الغواية والإثم والضلال، وبذاكرةٍ مشروخةٍ بالندم: “الذاكرة كما الهاوية/ كلّما سادت وحدها/ على رجّة تشعلُ الجسرَ الوحيد/ بين حتفِ الجنة وحتمِ الجسد” (ص 127). فالمتكلمة في القصائد تطلق صرخة ألم مديدة، يتردد صداها في كل مقطع، معبّرةً، على الأرجح، عن محنة الأنثى المحاصرة بأنساق فكرية واجتماعية وأخلاقية قامعة، فيشعر القارئ أن هذه “الرهينة” امرأة مقهورة تنظر إلى العالم الخارجي – وربما الداخلي أيضاً – من ثقب الباب، في محاولة تهجّي مفردات العالم الحسي الغائب، والجسد الغائب، والهوية الغائبة، في ظلّ حضور العادات والأعراف والوصايا. وحال هذه الأنثى، نفسياً وفكرياً ولغوياً، تجسد سطوة “القفل” بكل معانيه، أو انبساط الحجاب على لغة القصيدة، التي سرعان ما تلجأ إلى التكثيف الدلالي والرمزي، كأنما للهروب من رقابة خفية، والإفلات من عسف “أنا” عليا تمارس كبحها وقمعها لتاريخ الرغبة، مما يجعل الكلام يحجبُ أكثر مما ينير، ويتكتّم أكثر مما يعترف، لأنّ المتكلمة أنثى، في نهاية المطاف، تستحمّ بضباب الرمز، وتنام مع كوابيسها فوق سرير المجاز، معبرةً عن تحولات “الرهينة” في أقاليم الموت والغياب والحرمان. ويندر أن يخلو مقطع من ذكر الموت أو ما يدل عليه من قتل ورحيل وفراق. فالموت في مخيلة المتكلمة، العاشقة تحديداً، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بفكرة العشق: “عندما، / تراميتَ بساعديك حول شهقة موتي/ أسلتَ حمّى أنفاسكَ نحو رنيح روحي/ وأنت تهصرُ آخرَ النبض” (ص 46). في القصيدة التي تفتتح الديوان ثمة صوت رثائي شعري يعلن عن نفسه بقوة، مشبعاً بحرارة البوح، ومفعماً بالرغبة الكامنة باقتحام البرج العاجي للعشق، وكسر “التابوات” التي فرضها تاريخ الذاكرة الجنسانية على معاني الأنوثة: “تلك الليلة القليلة/ ما إن مددتُ يدي نحو أصابع تحيا ملغومةً بتوقكَ/ حتى أشهرت عروقي فضحَ الوجيف/ لأحتمي بعنف صمتٍ داهى متاهَ الوله” (ص 9). وأعتقد أن البعد السيكولوجي غني جداً هنا، فالعلاقة بين الرجل والمرأة مشوبة بعنف مبطن، وكأنها تعكس حال استلاب عاطفي وجسدي، يشم تاريخياً علاقة الجنسين معاً، بعيداً من اختلاف الثقافات واللغات والتقاليد. حتى أن هذا العنف ينعكس على المفردات نفسها. فجملةُ “داهى متاهَ الوله”، مثلاً، الغنية بإيقاعات الجناس، والسّجع المضمر، تخلخل انسيابية ما قبلها بنيوياً، فضلاً عن كونها تمهّد دلالياً لعنف الصمت، وتصفُ حال الاحتماء بعيداً من العاطفة الملغومة. في قصيدة أخرى، يصبح “العنف” موضوعاً فلسفياً، يرتبط بمفهوم العشق المتبلور ثقافياً ورمزياً على أرضية الحرمان والاستلاب: “العاشقُ جسدٌ آخر لا يغتفر له، أزميل يفغرُ رجسَ القلبِ، ضريحٌ قديم لغواية الفقد، صريعُ عناق أبدي لا يقبل غير صرعة قيامة تبدأ من قبلة ولا تنتهي إلا بقتلٍ صريح”. (ص 134). إذاً، العشق إثم لا مغفرة له، وهو يطعن كالخنجر أو الأزميل، بل يمكن أن يكون ضريحاً للعاطفة ذاتها، ذلك أنه يقوم على قتل صريح لنداء الجسد. ففي مخيلة هذه “الرهينة” يكون العشق رديفاً أزلياً للألم، وهو، أي الألم، يمثل في الديوان المعادل الموضوعي لعاطفة الشاعرة بما يبثّه من ضنى وعذاب ووجع في كل نداء: “يا للخفي الجسور، يا لسطوكَ/ يا عنفوان الذنب اللائذ بضحاياه/ يا ملذة البرق الشارخ حريرَ البحر” (ص 10). من هنا يمكن تناول الديوان برمته كقصيدة طويلة واحدة، ولكن بعناوين فرعية، حيث “الألم”، كما يشير عنوان الديوان، يبدو قاسماً مشتركاً، وشبحه يطارد شخوص القصائد، في السر والعلن، ويرمز في الدرجة الأولى إلى موت الجسد عاطفياً، حتى في تلك القصائد التي تمتدح الحب المجرد، الطوباوي، كأن الحروف نفسها آثار طعنات في جسد الرغبة – القصيدة: “نحِّ مديتَكَ/ أيّها الموت عنّي/ لم أعد دميتَكَ الخجولةَ/ ومداي كالمدية يمتدّ نحوي” (ص 68). هذا الجناس الناقص بين المدى والمدية، وتبادلهما “الوظيفة” معنى ومبنىً، يشي بالجرح النازف بين اللفظ والدلالة، مما يفسّر انحياز الشاعرة في ديوانها إلى كتابة النص “المفتوح” وليس القصيدة “المغلقة”، حيث الكتابة هنا أو هناك، تكون بمثابة فعل مأسوي يرافقه إحساس عميق بالخيبة أو الألم. فاليد التي تكتب تبدو منفصلة عن حقيقة الجسد العاشق، والرموز التي تسعى عبثاً للقبض على حقيقة العاطفة، تظل نهباً لجدلية الاختلاف والتأجيل، كرسالة ممحوة الحروف تنتظر من يفكّ شِفراتها السّرية.

 

 

رهينة الألم: يطرح البوح المتشظـــي بـــالمعني

 

05/03/2005

علي الستراوي


وقفنا قليلاً

أدرنا الهواء فيما بيننا

ثم ابتعدنا،

لنداري ما استحل وأردانا

كنعشين يعتصمان ببردِ الوحشة

ضد بدء خنق استوي لهذا التراب:

مشيئةُ الدربِ الأعزل، جريرة الأزلِ الأعمى،

غاوٍ تفانينَ العذاب

لماذا كلما رآنا نستهل لروعٍ يجابهُ أرواحنا،

راح يسترد هلعةَ الشغاف.

هكذا جاء اصدار الشاعرة البحرينية فوزية السندي، ديوانها الأخير، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ضمن الكتاب المشترك بين ادارة الثقافة والفنون والناشر. 2005م

بهذا البوح المتشظي بالمعني والقلق ، فتحت فوزية ديوانها بقصيدة ” قسوة السواهيالذي شكلت فيه جمرة الروح ، وابعاد اللغة في الظل ، انتحت لها مكاناً ، دعت اليه الاحبة والصحاب في نهار لا يعرف الهدأة ، ولاتصمت علي شرفاته الاشياء ، خرجت فوزية لتقول إن النهار بما يحمله من مشاعل يظل واقفاً عبر افق الرؤية في سكينة طبعت اسم الديوان بها ” رهينة الألم ” الباعث علي لحظة الفرح المتجوسق في علاقات امرأة رأت في ظلها كل الاشياء ، فأحبتها وكونت لها شواهد الروح ، فهي هنا تعالج المعني وتستعجل الشمس في صباحاتها ، هي وكل الدروب ، ومساءات الفضة حين تحدثنا عنها زهرات الروح هي اول البدء لكل نهار لا يهدأ ، رأيت عبر مجاميعها بالأمس ما لامس حلم الروح وأري في جديدها مشوار امرأة تكمل المعني بالفعل ، فتنجز التجربة وتحاكي الانسان بالوله وبالحكايات التي تزيدها انتماءً للتربة والعنفوان.

في مجموعة فوزية السندي شيء لن ابوح به مالم يتحرك القارئ ويبحث في المكتبات عن جديدها المسمى ” رهينة الألم ” المجموعة الشعرية التي وصلتني بإهدائها وبفعل القائم بوكالة ادارة الثقافة والتراث عبد القادر عقيل، ما عزز روح التواصل بيننا، الذي أعجز ان أقدم الشكر نحو هذا الفعل، لكنه الفعل الذي لم يغب على الغيورين على الثقافة.

جميل فوزية يطرح انشغالاته ويثير القلق الحنون، في ظل نص يفضح المعني ويسجل ما لخطوات الركب من طريق.

 

رهينة الألم:إكتشاف لمآلات الحزن

قراءة وعرض: (رهينة الألم)

 بقلم: شاديه الترك

 

اكتشاف لمآلات الحزن  

رهينة الألم:

كتابة لم أكتبها … لأكتشف الألم

                                            بل لأعرف مداه، ومالآت صداه  

(فوزية السندي)

 

صدر مؤخرا ديوان (رهينة الألم) للشاعرة فوزية السندي، ضمن كتب مشروع النشر المشترك التي تصدرها وزارة الأعلام والثقافة في البحرين بالتعاون مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر علما ان للشاعرة اصدارت سابقة منها (أخر المهب 1998) و (ملاذ الروح 1999م).

     تنطلق الشاعرة في كتابها من عمق التجربة الشعورية التي خيمت في ظلالها على كل قصائد المجموعة وعكست مألات الالم الذي رامت الكاتبة البحث فيه واستنزاف مداراته فلم تقف الشاعرة عند الالم كشعور بل تلازم الألم عندها مع المرأة كمرادف أو رمز تتجسد من خلالها المشاعر الإنسانية وتربط العلاقات الحسية فيه مع القلم والورق مع الحب والحياة مع الأنا والأخر مع الذات والخارج،

 (فكل شجرة امرأة

 والدليل تشبثها المرير بعنف الجذور

 لا تدلي الثمرة وحدها)

        ولكن من أين يبدأ الألم وما مصدر انبثاقه؟ 

(لذاكرتي خزائن

 تتكاسر بعبء الحياة

 لولوها لأغرقت خسائر جسدي)

 وهل شعور الألم خسارة تسبب الأذى وتعرى الذاكرة تقول الشاعرة:

 للخسارة مذاق يؤذي ذاكرتي

 كلما استحوذ على ماضي طفلة

 أتعرض لنفوذها القاسي جدا)

 الألم إذا عند الشاعرة انبثاق يمر بتاريخ الذاكرة وعبر عمليات الخروج الى الراهن الحالي يعيد انتاج ذاته ولكن بخسارة يكتبها القلم ولكن

(الحبر الجريح جريء

 ينتثر بدمه على كل ورقة

 مصابه بحرف قتيل)

(وللقلم…

 قسوة لا تدارى،

 قدرة، لا تقاوم قمة الألم) 

      (رهينة الألم) هو بحث الشاعرة في مآلات وصدى الألم ولذا انكشفت عبر مفرداتها وعتبات قصائدها مدارات ذلك الحزن ومصدر الالم فالديوان ضم مجموعة من القصائد كان منها (قسوة السواقي، رهينة الألم، تسريح الأذى، بدء الخسارات، ضد غدر الوجع أسرف في تسريب السم، لليأس لوطأة مرساة تجتث الجسد) وأخرى تحمل في داخلها نبرات لألم وصدى صوته فالحب عندها له ألم:

 (الحب ليس ما يحترب،

 نحو قلب خجول يقده الذبح

 لكنه رعشة مريرة

طيلة العمر تحصي فعلة النحر.)

(والطفولة حنكة مريرة:

 ما أن تنفست نهايات الحروف

 حتى تمرنت على فعل الدفاع الأليف)

  (وللكتابة بئر بهيم

 متوحش لا يهتم

 بعسير حبر يبكي عليه

 لئلا يجف على مهل هكذا)

            لتبرز بهذا مظاهر الألم جليه وتتدفق لأعبر الشعور المجرد بل في ثنايا الكلمة والمفردة ( فالفقد والخسارة ، والحزن ، والالم ، والموت ، والمرارة ، والآهات ، والبكاء ، والدموع ) سلسلة من مآلات وصدى الألم الذي انعكس في المعنى والدال اللغوي الذي وظفته الشاعرة في التعبير والبحث في رحلة الألم والذي برز جليا وبكثافة في قصيدة ( رهينة الألم ) التي حملت عنوان الديوان وجسدت عبر الأم الرمز ترادف كل من الألم مع المرارة بل إن هذه القصيدة ، بالذات أراهن على انها حملت كل مألات وصدى الألم الذي رامت الشاعرة فضحه وكشفه وتعريته عبر جسد وشعور كائن حي ينبض ويفيض بكل الحب والعطاء الذي لا يتحقق الا بكثير من التضحية والعطاء والألم.

(من غيرها …..

 امرأة وهبت جنون الحياة ملاذا رحيما،

  أباح لخلوة الرحم دفئا يستنهض طفولة عمياء

 لتتقد ببراعم تتعالى كسنابل تلهج بحرية الريح)

هي (الأم) كما صورتها الكاتبة ومنذ بداية الخلق تحقق امومتها عبر انصهار الأنا ووولادة الأخر الذي تتلاشى معه الذات حتى في لحظة الاحتراق والغياب، وحتى الرمق الأخير من الحياة اليس هذا قمة الألم

 لتموت على مهل ببطء هكذا،

 بهمسة أخيرة، اعترت بصداها زفيرها الأخير

 لأتذكرها أموت مرارا وهي تبوح لفتوى الوجع

 كلما استحل صخرة الرئة بجفوة الروح

 آه عليكم

 لا لم تقل: اه عليها

 أخيرا حاولنا الترحال في متاهة الألم التي قادتنا اليها الشاعرة في ديوان (رهينة الألم) لعلنا نستعرض من خلال هذه الرحلة بعض ما قدمته الشاعرة في مجموعاتها الشعرية التي تميزت بصدقها وواقعتها التي تتفق مع الراهن العالمي الذي يحتم الألم على كل إنحاءه فالألم جزء منا ومن واقع الحياة التي نعيش وصورة تعكس كل ما حولنا من تغيرات واضطرابات لا يمكن معها سوى الشعور بالألم الذي اعتمر ذات الشاعرة في الفترة من عام2000 حتى 2002م هذه الفترة الزمنية التي تخللت كتابة الديوان.

 

                                                                   

                                                             

   

حروف تهفو لقلبه

 

يتباهى بجماله كأيقونة فريدة

تدرك كنه ذخائرها

مشاغب النظرات

مرتسم بعينين واضحتين

وبسمة ضوء على وجنتيه

لا اصفه إذ أراه

بل اداريه بحنوي

لأحتويه

 

حديثه خافت حد الهمس به

بطيء الحضور مع حياة متلهفة لقدميه

 

أمام الورقة

يضع الخط الأول

ويكمله فيما بعد

بانتظار مخيلة تنتهرهُ لينحت حبره

 

مبدع منذ طفولة خافتة

كان فيها يضم أخيلته لهواء البيت

ولفقد الوصل

ولقلب صغير لا يعرف أين

 

 

صديق صاهر عمري

راعى كتابتي

وأجترأ على نهب مخيلتي

وارتكب نكأ جراحاتي المزعومة على ورقي

صديق

كلما غاب تبدى أكثر

 

الهدوء طبع يجتليه

ربما علمه النسيم أن يهفو

أو درسته الغيوم سرها الدؤوب

ليهفو مثلها

 

متقد في عمله يهوى تحليق المعادن

وهندسة المغامرة بجرأة نادرة

ليطفو في هواء عليم

 

الجمال ليس صفة يزدهى بها

ولا يتجمل بمحياها بل يحياها

بروح خفيفة

تحيا بصفاء مثير

ليزهر الحب في كل عطر

نراه ينبض بقلب نرتويه

 

هذا هو صديقي

صديق الهواء الوحيد

عندما ينام النحام

يغمر ظله بحنان تعرفه المياه
برفقة صحبة تواسي أقدارها

وتثق بغموض الظلام الذي تراه


شامخاً في غياب عميق

يرسم بخيالات القلب ما يترجم بقايا السر والسراب
مصطفا هكذا كأنه يمتحن طاعة الصبر
 يتوكأ على غرور العاشق المتوله لمتاه الحضن


طائر أبيض بنوره

كل حب يشرئب بدمه

ولا يكف عن همس عشق يرتضيه كل فقد


نراه ونسأل
كيف له كل هذا المحال