رهينة الألم:إكتشاف لمآلات الحزن


قراءة وعرض: (رهينة الألم)

 بقلم: شاديه الترك

 

اكتشاف لمآلات الحزن  

رهينة الألم:

كتابة لم أكتبها … لأكتشف الألم

                                            بل لأعرف مداه، ومالآت صداه  

(فوزية السندي)

 

صدر مؤخرا ديوان (رهينة الألم) للشاعرة فوزية السندي، ضمن كتب مشروع النشر المشترك التي تصدرها وزارة الأعلام والثقافة في البحرين بالتعاون مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر علما ان للشاعرة اصدارت سابقة منها (أخر المهب 1998) و (ملاذ الروح 1999م).

     تنطلق الشاعرة في كتابها من عمق التجربة الشعورية التي خيمت في ظلالها على كل قصائد المجموعة وعكست مألات الالم الذي رامت الكاتبة البحث فيه واستنزاف مداراته فلم تقف الشاعرة عند الالم كشعور بل تلازم الألم عندها مع المرأة كمرادف أو رمز تتجسد من خلالها المشاعر الإنسانية وتربط العلاقات الحسية فيه مع القلم والورق مع الحب والحياة مع الأنا والأخر مع الذات والخارج،

 (فكل شجرة امرأة

 والدليل تشبثها المرير بعنف الجذور

 لا تدلي الثمرة وحدها)

        ولكن من أين يبدأ الألم وما مصدر انبثاقه؟ 

(لذاكرتي خزائن

 تتكاسر بعبء الحياة

 لولوها لأغرقت خسائر جسدي)

 وهل شعور الألم خسارة تسبب الأذى وتعرى الذاكرة تقول الشاعرة:

 للخسارة مذاق يؤذي ذاكرتي

 كلما استحوذ على ماضي طفلة

 أتعرض لنفوذها القاسي جدا)

 الألم إذا عند الشاعرة انبثاق يمر بتاريخ الذاكرة وعبر عمليات الخروج الى الراهن الحالي يعيد انتاج ذاته ولكن بخسارة يكتبها القلم ولكن

(الحبر الجريح جريء

 ينتثر بدمه على كل ورقة

 مصابه بحرف قتيل)

(وللقلم…

 قسوة لا تدارى،

 قدرة، لا تقاوم قمة الألم) 

      (رهينة الألم) هو بحث الشاعرة في مآلات وصدى الألم ولذا انكشفت عبر مفرداتها وعتبات قصائدها مدارات ذلك الحزن ومصدر الالم فالديوان ضم مجموعة من القصائد كان منها (قسوة السواقي، رهينة الألم، تسريح الأذى، بدء الخسارات، ضد غدر الوجع أسرف في تسريب السم، لليأس لوطأة مرساة تجتث الجسد) وأخرى تحمل في داخلها نبرات لألم وصدى صوته فالحب عندها له ألم:

 (الحب ليس ما يحترب،

 نحو قلب خجول يقده الذبح

 لكنه رعشة مريرة

طيلة العمر تحصي فعلة النحر.)

(والطفولة حنكة مريرة:

 ما أن تنفست نهايات الحروف

 حتى تمرنت على فعل الدفاع الأليف)

  (وللكتابة بئر بهيم

 متوحش لا يهتم

 بعسير حبر يبكي عليه

 لئلا يجف على مهل هكذا)

            لتبرز بهذا مظاهر الألم جليه وتتدفق لأعبر الشعور المجرد بل في ثنايا الكلمة والمفردة ( فالفقد والخسارة ، والحزن ، والالم ، والموت ، والمرارة ، والآهات ، والبكاء ، والدموع ) سلسلة من مآلات وصدى الألم الذي انعكس في المعنى والدال اللغوي الذي وظفته الشاعرة في التعبير والبحث في رحلة الألم والذي برز جليا وبكثافة في قصيدة ( رهينة الألم ) التي حملت عنوان الديوان وجسدت عبر الأم الرمز ترادف كل من الألم مع المرارة بل إن هذه القصيدة ، بالذات أراهن على انها حملت كل مألات وصدى الألم الذي رامت الشاعرة فضحه وكشفه وتعريته عبر جسد وشعور كائن حي ينبض ويفيض بكل الحب والعطاء الذي لا يتحقق الا بكثير من التضحية والعطاء والألم.

(من غيرها …..

 امرأة وهبت جنون الحياة ملاذا رحيما،

  أباح لخلوة الرحم دفئا يستنهض طفولة عمياء

 لتتقد ببراعم تتعالى كسنابل تلهج بحرية الريح)

هي (الأم) كما صورتها الكاتبة ومنذ بداية الخلق تحقق امومتها عبر انصهار الأنا ووولادة الأخر الذي تتلاشى معه الذات حتى في لحظة الاحتراق والغياب، وحتى الرمق الأخير من الحياة اليس هذا قمة الألم

 لتموت على مهل ببطء هكذا،

 بهمسة أخيرة، اعترت بصداها زفيرها الأخير

 لأتذكرها أموت مرارا وهي تبوح لفتوى الوجع

 كلما استحل صخرة الرئة بجفوة الروح

 آه عليكم

 لا لم تقل: اه عليها

 أخيرا حاولنا الترحال في متاهة الألم التي قادتنا اليها الشاعرة في ديوان (رهينة الألم) لعلنا نستعرض من خلال هذه الرحلة بعض ما قدمته الشاعرة في مجموعاتها الشعرية التي تميزت بصدقها وواقعتها التي تتفق مع الراهن العالمي الذي يحتم الألم على كل إنحاءه فالألم جزء منا ومن واقع الحياة التي نعيش وصورة تعكس كل ما حولنا من تغيرات واضطرابات لا يمكن معها سوى الشعور بالألم الذي اعتمر ذات الشاعرة في الفترة من عام2000 حتى 2002م هذه الفترة الزمنية التي تخللت كتابة الديوان.