للقلب وظله

لك ذكرى القلب كظله

ممسوس بنواح مشتت الملامح

يعرفني ويطال التوق لمسي

ليلك ايذان بجفن طريد

هف غوير يصطلي الرمح ونفاذه

حين شرعت مهاتفة الأول من أسمك

نالني بقايا ماض متواجد بعلو النفس

هل البارق يكفي لهفي أو أسائل الأنحاء عني

للتو رأيت شبيه المقعد المقابل صمتك

كان يتنحى قليلا ليجيد وجوم حب تبدد

كأني أستبق الوقت ليخفف من غلواءه

وليمضي ببطء حريص على دهس قلبي

تبديل النوايا

اتسعت حدقتي الصغيرتين

أمام ورقة تحلق عالياً في سماء زرقاء

مشدودة بخيط أبيض لأصابع طفل يجاري الرياح

طائرة ورقية

هكذا أسموها مسرعين للهو أذهلني

 

كل الوقت مضى حتى أمسكتها بيدي

ورحت أرفعها عاليا

قبل أن أشد خيطها وأطلق سراحها للبعيد

بغتة، تهاوت أمام هواء بخيل أحرجني

هرولت وهي تتلوى ورائي

وتسحج التراب كأفعى مشلولة

 

لم ينفذ صبري

بدلت نواياي

وقررت متابعة غيري

وهو يحدق بنهايات غير مترائية يصوب لها طائرته

رسوبي كان شنيعاً حد البكاء الكتوم

 

في المساء الحزين

جاورت السرير

ولم أنم

 

انتويت الكتابة على ذات الورق الأبيض

بلا خيط أو ذيل

صوبت ورقي نحو عراقة مخيلتي الطفلة

فبدا البياض ينتفض على وقع رفيف أجنحه خفية

هبت سراعاً

لنطفو معاً

عالياً

ونحدق

في فضاء خال من طائرات ورقية مشدودة الى الأرض

فضاء مترع بنبضات ورقية مشدودة لقلب طفلة تلهو

 

كنت منهم

أول الشعر فراشة عليمة بحال اللون

صديقة أبهرتني بكتاب صغير لكلام لم أعهده

لم يكن متراصفا ليحكي

ولا معلنا ليهدي

ولا كثيرا لأمل منه، كان نادرا ما يوصف

امسكته بيقين طفلة أنه الحب

انتظرته طيلة أمي وهي ترضعني روحها

لما ابتعدت عنها

توعدت روحي بما يشبه الحليب سيقترب مني

انه الآتي

فعلا، كان ناصعا، لذيذا، حبيبا، مترفا، جشعا، طريا

كقلبي

لذا أحببته

مذ رأيته

 

اخبرتني صديقتي انه الشعر وهو للثورة ضد الظلم ولتغيير العالم

وللفقراء والعمال والأطفال الجوعى وللعشاق أحيانا حين ينكسر القلب

أخذت الكتاب منها وانزويت

الانزواء حيلتي المفضلة لمراوغة الفراغ

شبرا، شبرا اتهجاه حتى أصول

وأبدو كمن تترجى الحروف

 

فعلا كان شعرا

ليس للحرب كما انخدعت به

بل للحب كما تهت به

صدقته، لثقتي بمن حولي لا بي

ليس لصغر حجمي بل لبداهة عقلي

بالرغم من نصح مخيلتي

لم آبه بي

 

دموعي

تتعثر الآن على وجنتي

وأنا اتذكر ذلك العنف المؤسس ضدي

 

 

غفرت لكل حرف داهمني

سامحت كل كتابة اغوتني

لأني من داهمني واغواني

 

عرفت الشعر

عندما بدا يجثو على بياض جديد اشتريته

كان لامعا بصهد معرفتي الأولية

يطالعني وأنا أكتبه وأطالعه يطالعني

كنا نترفق بهوانا

جديدين معنا نرتقي الحصوات الصغيرة

نتعثر ونترشرش بالماء على تعابيرنا المنذهلة من خفتنا

كثيرا ما استرقنا النظر لملاعب الآخرين وهي تتأهب

كنا معا قرب نهر العمر نشهر أنخابنا الخفية

أحببته وصارحني بحبره

بلا خبرة ولا مشقة

اعتدت أن أراه كالهواء الجائل بجسدي

 

هل أقول لم أحببته أم لم واكبته

كممر أداخني في جواه

 

عرفت الحب فيما بعد القلب، لم يكن كمثله

ونادمت الفقد أيضا، لم يصر بي ما صايرته

كان الشعر بمهابة القليل النادر الذي يعتريني

وانا اجايله

 

الطفلة غامت بالشعر

أراها الآن والأوراق

كفراشة عليمة بحال اللون

تطفو

تلك التي أحبها

ها

لطفلة تتعثر بعتبات البيت

لصبية تغار من شعرها

لامرأة تظلل قلبها بالحب

لأم تلعب مع عيالها

لشاعرة ترحم الحرف

لفوزية

تلك التي أحبها

 

دموع طفلة تتجاور على شرائط البلور

وهي تلملم حاجياتها من رصيف يصغي

لصق الحائط تدحرج ظلها الممدود حتى عتبات البيت المنكسرة لغيابها

ثمة صبية يتعاركون ونزيف الغبار يثلم رئتيها بحرير رعب آت

تنتعل نبضات قلب يهلع لخلاياها

وكأنها تمشي

 

حقيبة الدرس تومئ لعظامها الصغيرة:

لا تقلقي من ثقلي، سنصل

وهي زائغة الذاكرة، مشغولة بالوهم تدرك:

أن في الطريق بين بيت الدرس وبيت الام

ثمة مسافات من الصعب مدارات وجعها

 

هاهي تحلق في بياض العمر

لم تلون شعرها بسواد مضى تتفهم سره

هاهي تنظر لطفلتها الرحيمة التي تناجيها بوجيع الحب

تمسد على ماضيها وتبتسم لذاك الطريق الذي بدا للوهلة يحن ويأبه

 

غسلت صحونهم ووضعتها قرب منشفة مبتلة

ومضت لكتاب قديم تمتحنه على فراش نسيت أن توقضه من البارحة

حالم وأسير لشغافها الطرية

قبل أن تنام، يسقط الكتاب بين عينيها

 

أراها الان

بثوبها الأزرق القطني وشعرها المسدول كنهيرات تتعارك بهدوء

فمها المضموم من هول ما تشهد في كوابيسها الغجرية

ودفء يدها التي تتوسد قلبها

حبيبتي الصغيرة

تلك التى أحبها

تأبين المحبة

لم نشأ أن نغدو مثقلين بحطام أكثر
يصب جهاته كلها على أحياء مثلنا.

مترب و ثقيل هواء هذا الحب
و منزو.
الغرابة كلها في حصى الممرات الدخيلة
التي أودعتها على كفي ظلال قلبك.

انتظرت مراراً،
أن تنز الحقول غضبها
سيجت رحى البنفسج بعمري كله
أرديت للورد ضريحاً
ما عاد الكلام،
و لا استنارات الغرف الوطيئة بصمت أصم
و لا استحالات الخطى في العظم
تفي بأقدار الموت الحثيث.

غرور بائس يرجم المعاطف الثرية
سلاح صدىء يكدس الطلقات المتعبة
جرح عتيق تهجى دمه و ترنح خلف الحانات
الشتاء انتفى و أورث الفصول انتحاراته
لم يعد شيئاً يقوى على النحول المميت
كل الخزانات والأرفف و الجداران تردمت
بل تهاطلت منها الصور والتذكارات
و بقايا مناديل الدموع،
كل الزوايا تعرت و أهالت كمائنها الرديئة
كل الحنو القليل تلاشى،
لم يعد بيننا غير ذاك الباب الموصد
غير أصابع لا تقترب
غير قبلة لا تتوهم اللهاث

غير وميض ماض
تبدد
ببطء
متناه
في شدته

كتاب أسمى الأحوال