معاني القلب

معاني القلب

مضمومة في دفتر صغير

ثقيل بعض الشيء

مكتنز بمعرفة غابرة

وعبء تجربة لا تغادر

 

بلا أسطر تقريباً

الحب لا يعرف الاستقامة أبداً

لا يهوى النصوع

لا لون وحتماً لا رائحة له

هتف غرير

نظرة تستبيح

لمسة تشيع الخفوت

بسمة تلغي الحتوف

صمت يرصد الهواء

ملامح تصوغ نكهة المآل

عذوبة تطاق

ما تحميه الوردة

تناجيه الفراشة

يصاهره العصفور

 تسوقه السحب

وتلكزه الرعود

يحثه المطر

ما لا يوصف من ذهاب لا يرتد

وحس يذيب الهواء

 

به

فراء السناجب يلتف

ايماءة الغزالة قبل النهر

تغريد البلابل دون صاحب

 

الحب

عطرك المشرئب بي

صوتك إذ ينادي

صوتي إذ يناجي

مهاو ترتعد سراً

ما لا يؤجل من حراك الوجد

 

منتهاي

إذ أعجزت عن متابعة  أي حرف

لا يفتش عنك

 

 

 

اليوسف

اليوسف

 

نور الحكمة مزدانة بمصابيح ومشكاة منيرة

طفل سخي بصمت ينظر لكل بعيد

يتحفني بحضوره المتألق

كملاك ينير هواء الله بنقاوة حب جليل

 

اليوسف

نعمة تراخت في حضني ذات يوم

ملفوفاً ببياض من قطن مذهول

يراني أراه فيبتسم

منتهراً عضلات قلبي لزفير الآه

للجمال الناهب بصري

الهادئ كنسيم بارد

الشغوف بالقراءة والحركة والبدن الفتي

كلما طال وترامت ظلاله في بيت قلبي

كلما قلت:

 يالله

هل أحتمل حضور كل هذا الجلال

يمشي كغيمة، يجلس كغصن طري

يضحك كنهر متلألأ ويهز الهواء حولي

لا أراه الا ندياً ومعطراً ومبتهجاً

يسرد يومه وأنا أراعي الدمع

وما تحدر من آهات قلبي

أيها اليوسف

 

الوليد

الوليد

 

حبي له مختوم بنبض قديم

مذ احتواه بيت دمي ورقق الهواء القليل

ممزوجا بعطايا روحي

مذ شاهدته يحبو بلطف

مذ عانق أصابعي بيده

مذ نما أمامي

في نبض يرتوي حبي

ليعلو بهواء كريم يمسد قلبه

 

الوليد هو الأول الذي أراني نور روحي

عاملني كأم رحيمة

كلما بكى تناهضت لنجدة دمعه

احتويت حدوده برأفتي

ليمشي ويتكلم ويقرأ ويكتب روايته

منشغل بحياة تمادت بحبه

منحازة لفخر لا ينتهي

ولا يترجم الآن لوصفه

هو صعب

كالوردة وعطرها الغرير

يترامى في حدائق قلبي

لأهمس:

أيها الوليد

 

 

الخالد

الخالد

 

بدء الوميض المـتألق والنادر من الملامح

العجولة وهي ترتسم في بياض ناصع

طفل مغاير في كل شيء

مرح ولحوح وفاتن

يهوي ويغامر بقلبه طيلة الحب

عندما احتضنت روحه لأول وهلة

رأيت أجمل عينين ترمقان روحي

فبكيت من رهبة الحب الذي طغى

 

واكبت صعوده إلى غايات بعيدة

كان يتسلق كل موج يتقدم نحوه

بجرأة الريح يهدى أشرعة حياته

خالد يخلد في شأن الأهواء

بطراوة ونبل ملاك خالد

بحب هواء الله وكل قلب يقترب

 

يعشق الحياة كطائر حر نقي البياض

ويهف لقلبي كلما رآني

أهتف أيها الخالد

 

 

 

الحقل الذهبي

الحقل الذهبي

 

تكسو السنابل جرأة القمح

آن ينتفض الزغب الذهب

ويرتمى على الأرض الجاهزة لطي صبره

ليس الرغيف ما يطمأن الجوع المتحفز

ولا المذراة التي تعبت وهي تنفش الحصاد

أنما يد الأجير الرحبة التجاعيد

وهي تعجن الجوع

 

طالما وددت أن أعبر الحقل كفراشة غادرت للتو

أن أسفح رغائبي على عروش الذرة الشامخة نحو العلى

أن أدرز السواقي وأحصي المياه المتناثرة نحوي

أن أتنفس القش

وأنا أستند ظلال شجرة معمرة تسرد لي ما تيسر

وبيدي تفاحة كاملة تنتظر

 

 

 

 

إبادة لم تحدث بعد

إبادة لم تحدث بعد

 

كانوا يفترشون الأرض

يناجون النهر والهواء والمطر

يتحلقون حول نار وفية

يغنون لما تبقى من أمل

 

كانوا يتزركشون بقوس قزح قديم

يتزنرون بالخرز والأصداف تهتز حول أعناقهم

تعرفهم الجبال والخيام والخيول

تعرفهم الرمال والصلد من الصخور

آن تأتي الصيحة من أعلى الحجر

حتى يتناهون لكل قلب يمور

 

كل خيمة تحتمي بطفل وامرأة ورجل واحد

ينحتون ماضيهم بفخر السلالات

ويغزلون مستقبلهم كحقل نادر

 

الدم لم يكن إلا ماء أحمر

غطى سهولهم وسراويلهم

ذات إبادة غابرة لم تحدث بعد

ألغت جواميسهم ولوثت أنهارهم

لم تكن إلا غبار حوافر اشتطت لإزالتهم

رصاص ثرثار خرق الهواء لحصاد كثرتهم

عنف صاغ من صبوة صبرهم ما لا يخبو من جراح

 

رنين موسيقاهم رجّ الآفاق

وفير طبولهم واكب البروق

لتهمي الأمطار كلها على أرواحهم

 

كانوا كثرة من الحكماء والمغرمين بمعنى الحياة

يكترثون بأقل القليل من الهواء

دونوا تواريخهم على صدى أصواتهم

أودعوا حروبهم لتهريف منتصر مغبر

أودعوا مبتلاهم لذاكرة عشب وفي

حصى ينابيع لا تنسى

وقمر أمين رأى كل شيء

 

مشوا وحدهم تتبعهم الأرض

لزمان يليق بأصباغهم ونار خيامهم

ورقصة تصوغها الطبول

كل ريح

تعلن إبادة لم تحدث بعد

 

 

 

 

 

 

 

له

له

 

حرير يلتمس معنى الروح

ينيب النبض رؤاه

ويفتش عن هوى حليم

ليعرف معناه

 

بيت صغير لدم كثيف

موصد الأنحاء بشرايين تلتحف به

وعضل فتي يتنابض كل هتف جريء

يرتمي يسار المكان

خلف ضلوع شتى تتأود بحنو عشق غائر

صديق الصبر وصريح الحب

كلما تهادى نحو روح ترتاد هواه

 

شفاني بهتف وهده

لأصطبر على أنفاسي وهي تتساوق

كأنه يستبق الوجد الذي حلَّ بي

ويكيل لي محتواه كلما هاتفه بصري

بما أرى من جلال مقبل نحوي

لا يرى ما يراه

 

له

عرش ذخائر جذب وتوهان فتنة

نظر شاسع، بسمة مريبة وعطر أهوج

أمام

كل بوح لا يتزن ولا يتخفى

لا يبالي بورع يتسارع نحوه

بل يشارع كل خفق على صارية صدري

 

أحبه

آن نومه المفتعل عند حدود ليلي

آن ينزلق بطيئاً ويوقد وميض سهدي

يواسيني بهجس مستفيض الغموض

يرتعد بدم قليل يداعب وجنتي

 لأرسي بسمة هنا

وتجعيدة واجفة بين عيني هناك

 

قلبي

وارف كغلالة عشق إلهي فريد

لا يسألني عن معناي

ولا يهتم

 

 

 

لأغادر قلبي

لأغادر قلبي

إلى شاعرة أتلفت روحي
إيميلي ديكنسون

قلتِ:
“أنا لا أحد
هل أنت لا أحد أيضاً”

ما أقساك علينا
وأنتِ ترتبين الفراغ تلو الفراغ ليكتبنا
دسيسة ضليعة بهواء الليل
مدسوسة كالحمى في دمنا القليل
ريشة غادرت عصفوراً ضريراً
يجول الفضاء بحثاً عن سواه

من مثلك يا قديرة القلب المتخفي بكل موت

مرتدية بياضك الداهي
تعقدين شعرك بقسوة ملاك
وتبدأين حفلك الضاري
ما أن تغترفين خفايا سهوك الجدير بقدرك الواهي
وترشين الورق المصفر بمزاياك
حتى عنوة تشدين لجام الوجع الضاري
لتخطين حرفك حتفك
يا لهولك
لم أعرف امرأة تشبهك قط
كالشعر تماماً
لا أراك

مأهولة بنواياك الأليفة وحناياك الفريدة
تدرسين فراغات الغرفة شلواً شلواً
قبل أن تدفعين الطاولة بعيداً
وتحلقين لغياباتك الألف
ناهلة منتهاك منك

إيميلي
حديقتك ملت صداك وصمتك
بيتك عاف تجوالك الخفي
قميصك الأبيض المشغول بدانتيلا هواك
طاح طريحاً مهموماً بك

إيميلي
شعرك أتلف روحي
واغترف ما ينحر مخيالي

كلما دنوت من حرفك
تهاويت لمبتلاك

لست وحدي
أداوي بك ما يشغل ذهلي
لِم‘تجرأت وعدتِ من موتك
ما أن تركوك ترفلين في تراب رطب يقرأ رعبك
حتى عدت برفقة وريقات يتيمة تضمخت بدمعك
وأتقنت شعرك
كيف تناسيت ما أحدثوه بك
وغفرت وعفوت وتهاديت
هكذا ببساطة شاعرة أدمت الحياة بصمتك

صديقة روحي
تعبت من مهاتفة صداك طيلة عمري
ابتعدي قليلاً
لأجلو معناك مني
وأغادر قلبي

 

 

كأنه الكامن في قلبي

كأنه الكامن في قلبي

عالياً يهم منتشياً من نبض غائر
يرتل آهاته ملوحاً بمواضينا

يواكب توهي لمرآهُ حاذفة نواياي
متلجلجة
لا أعرف منه غير اسمه
وبقايا هواء أهداه لي طيلة حب تمادى

للحب تهويدة مفعمة بالتجلي تواسي تعب الفراغ بيننا
وترشو حمى الوقت ليصطبر على آجالنا

شجي هذا القلب
ممسوس بوتيرة دم مذهل لا يكف عن الحياة

من علمه وفير الدم لوجنات خجلي

إطلاق الخفق بتؤدة ميت

 التواتر حين يلمح ملامح تقذف القلب

 الهمس آخر الليل، اليقين الضال أمام عينيه

تذخير حنان الأم، رؤية الحب

 تذليل الألم، من مثل هذا القلب

من علمه أن يقتاد أقدرانا كغيمة تغص بالمطر

وتغفو أمام صواعق تتقدم

يا لك من قلب ماهر في التخلي عني

قدام كل قلب يستهويك

 

عندما فقد الوقت معناه

عندما فقد الوقت معناه

 

واقفاً عند مقبرة تهدي إليه سحر رملها

يكنس حبيبات قديمة تحمي كنوز اً آفلة لمليكة الغبار

أراد أن يفاجئ مقبرتها المطلية بذهب العمر

تاق ليرى المليكة “حتشبسوت”

مسجاة في تابوتها الأول والأخير

تراه بعينين مكتحلتين بحبر دامس

تحدق في هتك الرفش بين يديه لسكونها السحيق

مدهوشة من جرأة حضارته وكتبه ونظارته وعلومه

وشهامة الحفارين من حوله

وهم يكدسون الرمل بعيداً عنه

 

مليكة النيل الهامس

امرأة العصور كلها

تحدق

في الوقت الذي فقد معناه