وداد

هلْ أَنتِ مَعَنا الآنَ
تُرسلينَ الحُبَّ لِقُلُوبِنا التي تَراكِ الآنَ
جالِسةً في بيتِ النهضةِ
وتَحضنينَ حُزنَنَا في كلِّ هذا الهواء

وداد
أرواحُنا لاتَزالُ تُصغي لِعِطرِ روحِكِ
ذَهابُكِ العَصِيُّ لَم يَزَل يَنبِضُ في حَرير ِصوتِكِ
أَيَا امرأةً لاذَتْ بِذاكِرَتِنا مُنذُ مَهْدِ الطفولةِ
مُنذُ نهضةِ العطاءِ المبَجَّلِ في الحَوارِي والبيوتِ
مُنذُ صَوتِك الراعِفِ وهو يَحُثُّ الخُطَى نَحوَ الأملِ الغائرِ في اليأسِ
منذُ رِفقَةِ العمرِ والصِّبَا
مُنذُ عَذاباتِ الحُبِّ المؤجَّلِ في تلكَ السُجُونَ
مُنذُ “عباسِ” الحبِّ الذي عانَقَ كلَّ دمعةٍ أَراقَت وقتَكِ
مُنذُ “أسامةَ” و”أيمنَ” توأمُ روحِكِ
منذُ “مَي” و”خالد” حديقةُ قلبِك
منذُ “سميرَ” و “عِمادَ” و “ناديةَ” و “هيامَ”
الذين عانقوا بالحبِّ عمرَك وهو يَمضِي
منذُ بناتِ “النهضةِ” و”أوالِ “و”الرعايةِ” و”الرفاعِ” و”الريفِ”
وهنَّ يتحلَّقْنَ حَولَ رؤاكِ كَفِراشاتٍ لا تَهابُ الضوءَ
منذُ نِساءِ البحرينِ في كلِّ مكانٍ حولَكِ
منذُ رِجالِ البحرينِ في كلِّ مكانٍ حولَكِ
منذُ إِيمانِكِ بالأملِ الصعبِ
منذُ عِلمِكِ وعَمَلِكِ وتطوُّعِكِ ووقتِكِ المُنسابِ لحُرياتٍ تَبْدُو
منذُ أرضِكِ وبَحرِكِ وشعبكِ ورِفقَةِ ذاكِرةٍ لا تنبِضُ دونَكِ
منذُ البحرينِ تراكِ مَلاكاً لا يغادِرُ البحرَ
منذُ الموتِ وهو يقدِّمُ وَقْتاً ويُؤَجِّل كُلَّ الوقتِ في خَجَلٍ مِن جِنازِكِ
منذُ الماءِ المتماوِهِ وهو يغُمر بَردَ ذَهَابِك
منذُ القبرِ بيتِكِ الرملُ وهو يتعطَّرُ بِكُلِّ حَرفٍ مِن اسْمِكِ
منذُ بلادْ تَراكِ في كلِّ نَخلةٍ تَسْمُو
منذُ تاريخِكِ كُلِّهِ

وداد
أَعجَزُ عَن سَرْدِ كُلِّ هذا النورِ
أَخْجَلُ مِن تأبينِكِ
تَنْتَحِبُ حُرُوفي مِن حَسرةِ حِبرٍ
يَعجَزُ عن وَصْفِ فِراقِكِ الصَّعبِ
يَا لِحَرفِي العَصِيِّ طِيلةَ شِعرِي
صَعْبٌ أَن أَصِفَ حُبَّكِ وَذَكْرَيَاتِ عُمرِي نَحوَكِ
صَعْبٌ أَن أَكتبَ الحزنَ والفَقْدَ والأَلَمَ الخَفِيَّ
في كُلِّ حَرفٍ يَتَرَجَّلُ نَحْوَ جنازِكِ

وداد
عَرَفْتُكِ امْرَأَةً للصَعْبِ
وعرفتُ حُبَّكِ كالبحرِ
عَطاءً مَدِيْداً، مَدِيْداً، مَدِيْداً
لا يُحصَى الموجُ ولا الرَّمْلُ
عَطاءً كالمَطَرِ لا يُترْجِمُ إِلا صيحةَ البَرْقِ

وداد
دوماً كنتُ أراكِ
وأنتِ تَنشُرينَ أَشْرِعَةَ الأملِ كُلَّ يَأسِ نَحوَ رِيَاحِ العُمرِ
عَرفتُكِ يا مَليكَةَ الحنانِ والرحمَةِ وَيَا مَلاكَ الجَلالِ
عَرفتكِ امْرَأَةً لِلْقَلْبِ
فِي صَوتِكِ رَهَافَةُ الهُدُوءِ كُلِّهِ
فِي خَطوِكِ ثِقَةُ الأُمِّ وهِيَ تَحْتَضِنُ الوقتَ كَطِفْلٍ يَحْبُو نَحْوَ الحُبِّ
في بَسْمَتِكِ البَهَاءُ والهَيْبَةُ فِي آنٍ
فِي عَيْنَيْكِ وَطَنِي الذي يُفَتِّشُ عَنْكِ الآنَ
فِي جَمَالِكِ بَسَاطَةُ الدِّفْءِ
وفِي حُضُورِكِ العِنَاقُ كُلُّهُ

وداد
أَرَاكِ الآنَ
وَأَنتِ تَغْتَرِفِينَ الحُضْنَ تِلْوَ الُحضْنِ
تُعانِقِينَ قُلُوبَنَا
وَتَمْسَحِينَ بِحَنَانِ يَدَيْكِ كُلَّ دَمْعَةٍ لَيسَتْ لِلْبُكَاءِ
لَيسَتْ لِحَسرَةِ الآهِ عَلَى فَقْدِكِ
لَكِنَّهَا لِذَهَابِكِ كالمَلِيْكَةِ بِكُلِّ هَذَا العِزِّ والفَخْر ِوالمَجْدِ

وداد
نَبُوْحُ لَكِ بِقَلْبٍ وَاحِدٍ
وَنَبْضٍ وَاحِدٍ وَحُبٍّ واحِدٍ
نُحِبُّكِ يَا صَدِيْقَةّ القَلْبِ
يا ذاكرةَ الروحِ
يا وردةَ الجَنَّةِ
كُونِي مَعَنَا الآنَ
وَفِي كُلِّ آنٍ
كَعَادَتِكِ
يَا وِدَاد

 

أيها الفريد

للموت طريقة فريدة في مسّ قلوبنا
آن يهمس بغتة لتتشظى أرواحنا
ضيف قدير يتقن نفض ذاكرتنا
يؤلمنا برواح أرواح شفيفة
كادت كالهواء تغمر أعمارنا

ها أنذا الآن
بحسرة روحي الخجلى
أعجز أمام الكتابة عنك
وصفك صعب يا فريد
موتك أضنانا
أهال أحزاننا الحبيسة
يا لفقدك الأليم
وأنت تنبش ذاكرتنا ببطء موجع

ماذا أقول
لمن أمضى العمر كله ينثر التوق في قلوبنا
يذيب خوفنا عليه ببسمة ساهرة تزدان آن الألم
لصديق رافق عمري كلما هاتفني تهيأت للحياة أكثر
لموهبة تضمد الحروف بجرأة الروح
لكاتب يهدينا كتابة تقتص من يأسه القتيل
لصاحب أفنى العمر يصور الحياة كما لا نراها
وكما كان يراها لتراه الآن

يا لك يا فريد
لم تخلُ “أسرة الأدباء والكتاب” منك يوماً
كنا نراك تنثر عطر روحك الحنون لكل هذا الهواء
تتوكأ على حرصك التام حاملاً صناديق” كلمات”
ترتب التحايا نحو أرواحنا
تداني صمتك مرتحلاً تحصي الأنفاس
دوماً كنا نراك شغوفاً بحبرك الحر
ناهلاً هواء جرأتك نحو حرية لا تطال

ماذا أقول
لمبدع ساير ذاكرة “المحرق” وأهلها وأنجز سيرته المخضبة بسيرة شعبه
لملاك راعى بالدمع موت أخوته، شافى بالصبر مصاب دمه، داهم حرقة مواضيه، انتاب الكتابة في عزلة مرضه، سعى كل جائزة لتمجيد أرضه، دارى وجعه برائحة دواء فاشل، عانق “أمل” مليكة عمره وودع “محمود” و”ريم “هدايا حديقة قلبه
أضاء بياض سريره الأخير
تحمل خلعة احتضاره
أراق ماء موته
تضوع بعطر كفنه
ليحتفي أخيراً
كملاك قدير بقبر وحيد
يضيء قلوبنا بنور روحه
لنراه يمضي نحو ما يليق
نحو ذاكرة بلاد لن تخلو من حبره

فريد
مذ مت وأنت معنا
لنحتمل:
ما يحتويك في ذاك السديم
ما يرقيك من مرارة الألم
ما ينير قلبك الجدير بنبضه الجليل

مت بسلام يا صديقي
أيها الملاك الفريد
فوزية السندي

 

قبل البحر

لأراك

أرى البحر

مرتدياً قميصك الروح

مهرولاً نحوي بأمواجه العجولة

منتهياً عند قلبي

 

لأراك

أرى الموج المتماوه بأفق يديك

وهي تحتضن أصابعي سراً

كأنها خلسة تفتش عنك

 

يا صاحبي تعب الحب

وهو يرمق ظلالنا الخفية على الرمل

تعب من شدة خفاء النبض وقسوة الخفق

من قدرتك الجليلة على نحت روحي

من عينيك الغائرتين في صدى أمسي

من همسك مختلياً بحدود تبدو للحب

من كل شيء منك

كأنك تمضي نحوك

يامن كالبحر لا يُرى البحر دونك

 

لأراك أنهض من عرش الشعر

وأبدأ طقس القتل برأفة الموت

أهز الحرف تلو الحرف ليترنم بأسى القلب

أُقبلُ الورقة وأبلل الحبر بدمع قديم

وأُقبلُ نحوك

لأراك كأنك تتهيأ لصارية تبدو للصوت

قبل عصف الصمت

 

هكذا أحتاج البحر

دمت أمتشق الرمل

حافية ومتلاهية بأفق لم ينضج بعد

أخفي الأصداف الملولة وأصادق الصبر

لعلك تمشي أو تتأخر

تمتد أو تتحول

أي حديث تخفيه النفس في الكأس

أي مرارة تخدع عذب الفقد

أي غرق سينجو

أي حب يتشيء

أي شأن يحدث

الآن

قبل البحر

 

قلب الساردة

تلملم حجب الله

منسلة من تعاويذ بطيئة الفهم

لها المدركات فاتحة مسلاتها الأليفة

تناوش محبتهم برفق الجليل

 

كلما سهت عما تراكم

حاصرها الحصى بوأد الدليل

 

قلت لي في عناق يغزو عطري

اندسي بقلبي لأتصوخ همسك

لأرصف حروفي مما يتقاطر من حبرك

 

شفيت منك

محوت الحياة كملح اذاب البحر

يا لصبر هواك

 

الركوع أمام صعبك

ليس نسيانك

لكنه تجرعك على مهل نخب خال

 

غابة العقل ثكلى بالمرارات

لأكسوها بما تكسر

تشاغلت بالزئير المخيف لحزني

 

أتلوك كلما تصدع محراب القول

أهدر العقاب كالحاصل للنبيين

لأتناسى كالفأس دربتك على العناق القتيل

 

أهون على الموج أن لا يرى البحر

من أن يتعلم كتمان الهبوب

 

في حديقة قلبي

ينتحل دمي مع كل قطرة دمع

تتلاشي مني

 

أدرب الحواس على مهارة حصى الحياة

 

لولا جفل الباب من خبط الغريب

لما أسرعت قدمي بابتعاث الطريق

 

أغرقت الحكمة

وفتلت حبل القارب لأنهمر

 

تصاعد الغبار ليس بفعل الرياح

بل تمرد الرمال

 

فوز طفلة صغيرة جداً

لتتهجى حرف الأنتحار

هذا ما فعلناه بدميتها ودمها في آن

 

ايها الجليل قد قنديلك

 

البيت تدريس واسع لقبر يضيق

 

تتحلى الحرباء

بما يبهرها كأنها تراها

 

والقمر يطفئ ما تشعله الشمس

ينسى أنها تطفو بما يشتعل منه

 

غدر الحرف في تجوالها الأعمى

نحو ذاكرة ميتة لا يحييها الحبر

 

الطفلة التي لا تعرفني

كبرت كثيراً حد العجز عن تصويبي

 

ضفائر شعري

تعويدي على النظم لا النثر

 

حبك

معجزة لا تغادرني

أدركني

أدركني

أدركني

 

نصيب الأم

لا يقدر بمكيال

لا يعرف له ثقل او امتداد ليقاس

رائحة ثوب، رطوبة حضن، الغريب من الظلال

لصوتها ترجيح الأسى عندما تصمت

ولصمتها طهر الموت حين يغدو

 

تمشى في البيت، دونما تمشي

توزع على الغرف بصرها وبصمات ورعها

تنحني لتحمل فنجان مكسور، تغلق النافذة، تنصت للباب

 

عندما تنام تهدأ الفوضى

كان الضجيج يخجل من غيابها

 

أمي تمتاز بضحكتها

وتعتني بحزنها حين الليل

 

لغرفتها رائحة سجادة صلاة

وصدى مؤذن ودواء فاشل

 

أحب طريقتها في رؤيتنا نتجاور أمام عينيها

أحب خوفها من السعال والحمى

أحب يديها الكبيرتين وأصابعها العشرة

أحب عينيها الواسعتين وأنا ألمع فيهما

أحب رضاها وثرثرتها وأكياسها الكثيرة

أحب عدها للدنانير وانفلات العملات من بين أصابعها

رنين الذهب وقلائدها وبخورها وعباءتها وصندل عرسها

أحب كفنها المطرز بالحنين

أحب الماء المتماوه برخام سريرها الاخير

أحب قبرها الخالي منها

أحب روحها النور

امى

بياض لا يحتمل الحروف

 

عهدة الراوي

الرواية ملهى يؤدي بي الى نهايات محتملة كل سطر

لأقرأ لابد أن أتكوم في منتصف السرير

واستند على هواء الله

أثق بشخوص ومداهمات وشقاوة تتناسخ امامي

ببطء أتذوق حساء الحروف

كالأميرة التائهة في غابات الصعاليك

تتفقد خطوها لتنجو

يختفي الماحول وأنزلق في البعد الادهى

لا أرى الفاصلة

والنقطة لزوم الحبر المتبقي

 

متحف مؤثث بالحاصل بين كثر من الحالات

لا أتعاطف مع أحد

عودت روحي مذ تهالكت في “البؤساء”

أن أقرأ بحذر

فللراوي عهدة خطيرة ينوى بها استلاب سلامي

 

الرحلة مضنية

العائلة تتجذر بأصوات وأوامر وضحكات

تهشم المسافة بيني وما أتفهم

رحيلي مشروط بجفائي

أتعاقد مع الراوي لينتظرني قليلاً

ريثما أغسل ما تبقى من عشاء

 

معه طيلة فقاعات الغسل وقرقعة الملاعق

معهم طيلة مسح الطاولة وانهاء المساء

 

قبل أن ارتخي لحروفي التائهة

أعتذر للرواي الذي غفى على ساعديه

وأنهل ما فاتني منه

 

“الأم” بدايتي وتلاها ما لا أحصي من تكهنات الخلق

تشيخوف وكافكا ونيكوس كازانتزاكيس

كانوا القوارب التي عبرت بها نهر عمري

لألتقي أمين صالح وسليم بركات وفريد رمضان

حتى بدا وليد ينتش جراحاتي

حكاة كثر

داووا ما تقدر لهم من خدوش ألمت بطفلة تغفو

 

للقلب وظله

لك ذكرى القلب كظله

ممسوس بنواح مشتت الملامح

يعرفني ويطال التوق لمسي

ليلك ايذان بجفن طريد

هف غوير يصطلي الرمح ونفاذه

حين شرعت مهاتفة الأول من أسمك

نالني بقايا ماض متواجد بعلو النفس

هل البارق يكفي لهفي أو أسائل الأنحاء عني

للتو رأيت شبيه المقعد المقابل صمتك

كان يتنحى قليلا ليجيد وجوم حب تبدد

كأني أستبق الوقت ليخفف من غلواءه

وليمضي ببطء حريص على دهس قلبي

تبديل النوايا

اتسعت حدقتي الصغيرتين

أمام ورقة تحلق عالياً في سماء زرقاء

مشدودة بخيط أبيض لأصابع طفل يجاري الرياح

طائرة ورقية

هكذا أسموها مسرعين للهو أذهلني

 

كل الوقت مضى حتى أمسكتها بيدي

ورحت أرفعها عاليا

قبل أن أشد خيطها وأطلق سراحها للبعيد

بغتة، تهاوت أمام هواء بخيل أحرجني

هرولت وهي تتلوى ورائي

وتسحج التراب كأفعى مشلولة

 

لم ينفذ صبري

بدلت نواياي

وقررت متابعة غيري

وهو يحدق بنهايات غير مترائية يصوب لها طائرته

رسوبي كان شنيعاً حد البكاء الكتوم

 

في المساء الحزين

جاورت السرير

ولم أنم

 

انتويت الكتابة على ذات الورق الأبيض

بلا خيط أو ذيل

صوبت ورقي نحو عراقة مخيلتي الطفلة

فبدا البياض ينتفض على وقع رفيف أجنحه خفية

هبت سراعاً

لنطفو معاً

عالياً

ونحدق

في فضاء خال من طائرات ورقية مشدودة الى الأرض

فضاء مترع بنبضات ورقية مشدودة لقلب طفلة تلهو

 

كنت منهم

أول الشعر فراشة عليمة بحال اللون

صديقة أبهرتني بكتاب صغير لكلام لم أعهده

لم يكن متراصفا ليحكي

ولا معلنا ليهدي

ولا كثيرا لأمل منه، كان نادرا ما يوصف

امسكته بيقين طفلة أنه الحب

انتظرته طيلة أمي وهي ترضعني روحها

لما ابتعدت عنها

توعدت روحي بما يشبه الحليب سيقترب مني

انه الآتي

فعلا، كان ناصعا، لذيذا، حبيبا، مترفا، جشعا، طريا

كقلبي

لذا أحببته

مذ رأيته

 

اخبرتني صديقتي انه الشعر وهو للثورة ضد الظلم ولتغيير العالم

وللفقراء والعمال والأطفال الجوعى وللعشاق أحيانا حين ينكسر القلب

أخذت الكتاب منها وانزويت

الانزواء حيلتي المفضلة لمراوغة الفراغ

شبرا، شبرا اتهجاه حتى أصول

وأبدو كمن تترجى الحروف

 

فعلا كان شعرا

ليس للحرب كما انخدعت به

بل للحب كما تهت به

صدقته، لثقتي بمن حولي لا بي

ليس لصغر حجمي بل لبداهة عقلي

بالرغم من نصح مخيلتي

لم آبه بي

 

دموعي

تتعثر الآن على وجنتي

وأنا اتذكر ذلك العنف المؤسس ضدي

 

 

غفرت لكل حرف داهمني

سامحت كل كتابة اغوتني

لأني من داهمني واغواني

 

عرفت الشعر

عندما بدا يجثو على بياض جديد اشتريته

كان لامعا بصهد معرفتي الأولية

يطالعني وأنا أكتبه وأطالعه يطالعني

كنا نترفق بهوانا

جديدين معنا نرتقي الحصوات الصغيرة

نتعثر ونترشرش بالماء على تعابيرنا المنذهلة من خفتنا

كثيرا ما استرقنا النظر لملاعب الآخرين وهي تتأهب

كنا معا قرب نهر العمر نشهر أنخابنا الخفية

أحببته وصارحني بحبره

بلا خبرة ولا مشقة

اعتدت أن أراه كالهواء الجائل بجسدي

 

هل أقول لم أحببته أم لم واكبته

كممر أداخني في جواه

 

عرفت الحب فيما بعد القلب، لم يكن كمثله

ونادمت الفقد أيضا، لم يصر بي ما صايرته

كان الشعر بمهابة القليل النادر الذي يعتريني

وانا اجايله

 

الطفلة غامت بالشعر

أراها الآن والأوراق

كفراشة عليمة بحال اللون

تطفو

تلك التي أحبها

ها

لطفلة تتعثر بعتبات البيت

لصبية تغار من شعرها

لامرأة تظلل قلبها بالحب

لأم تلعب مع عيالها

لشاعرة ترحم الحرف

لفوزية

تلك التي أحبها

 

دموع طفلة تتجاور على شرائط البلور

وهي تلملم حاجياتها من رصيف يصغي

لصق الحائط تدحرج ظلها الممدود حتى عتبات البيت المنكسرة لغيابها

ثمة صبية يتعاركون ونزيف الغبار يثلم رئتيها بحرير رعب آت

تنتعل نبضات قلب يهلع لخلاياها

وكأنها تمشي

 

حقيبة الدرس تومئ لعظامها الصغيرة:

لا تقلقي من ثقلي، سنصل

وهي زائغة الذاكرة، مشغولة بالوهم تدرك:

أن في الطريق بين بيت الدرس وبيت الام

ثمة مسافات من الصعب مدارات وجعها

 

هاهي تحلق في بياض العمر

لم تلون شعرها بسواد مضى تتفهم سره

هاهي تنظر لطفلتها الرحيمة التي تناجيها بوجيع الحب

تمسد على ماضيها وتبتسم لذاك الطريق الذي بدا للوهلة يحن ويأبه

 

غسلت صحونهم ووضعتها قرب منشفة مبتلة

ومضت لكتاب قديم تمتحنه على فراش نسيت أن توقضه من البارحة

حالم وأسير لشغافها الطرية

قبل أن تنام، يسقط الكتاب بين عينيها

 

أراها الان

بثوبها الأزرق القطني وشعرها المسدول كنهيرات تتعارك بهدوء

فمها المضموم من هول ما تشهد في كوابيسها الغجرية

ودفء يدها التي تتوسد قلبها

حبيبتي الصغيرة

تلك التى أحبها