واقف يشهد نفسه


 

هكذا اعترى ” فريد رمضان ” شغف الكتابة ليشهد ما رأى بنفسه، هالكا من تصاعد المشقة منذ مرتع الطفولة ” فريق البوخميس” لذا صاحب وقتا لإضاءة الكامن في ذاكرته، المهاجر في وطنه، وأنه المرتد في زمنه.

” التنور” نص يتعرض لسرد القهر العالق بحداثة الألم. إطلاق لعناصر البنية الروائية بموازاة الهمس من “عسلوه” حتى ” المحرق” لطمأنة الغربة والوحدة بأمل انتظار القوارب.

حاك ” التنور ” ليروي تفاعل الرؤى وتقنيات العرض الروائي، وما يتحقق من مشاهد جديرة بالتنصت والمساءلة، حضور للاستحواذ الشعري عبر لغة تحطم الفواصل، وتلغي الضفاف أمام نهر الإبداع. ليجهر بحذر المكتشف نبض الشعر – سر اللغة:

” أيها التنور يا واهب هذا الحب. أي شيء كان يمكنه أن يوقف ذلك العذاب غير هذه النار الحنون التي تستقبل طراوة العجين من أيدينا المفترسة في اكتشاف دروب جديدة لأسمائنا المفجوعة بالغياب، سنابل الطحين تنشد نعمتها وهي تختمر في دفئنا. توقظنا النار..”

أعلن ” فريد رمضان” تجربته ” البياض” وتلاها بـ ” تلك الصغيرة التي تشبهك” والآن ” التنور “.. ليحقق من مدى عنايته بفضح أوار التجربة، وليسأل: هل حقق حضور الروح بصقل ما يتجسد منها وينبري بالهتف شاهدا على ما يحدث.

لتقرأ ” التنور” لك أن تتمهل وطبيعة الحدث حيث تتوازى لوحة العرض وهدير تداعيات لأقنعة تشبهنا، لنرى ونصغي في آن. لضحايا تسرد بطولاتها ليصل العويل.

وأيضا لك أن تتمعن برعاية اللغة ما يضيء الحدث ويفاجئ الصمت، ترصد حميمية التواصل وعناصر روائية استطاعت أن تشمل معاناة ما قلت الجمر وهي تلهو بتنور الأرغفة.

ومن الصعب إغفال المراهنة التي تعرض لها ” فريد رمضان” وهو يكتب نصا روائيا، أراد من خلاله تقديم تجربة تعبر عن الواقع المعاش، دون الإخلال بجمالية العناصر الإبداعية الأخرى، والتي تأتي الصورة الفنية واللغة الشعرية في مقدمتها، دعوة مكونات الحياة لأفق النص بسماتها المحلية من ملامح وأصوات، بيوت، غبار، نباح وحسّ إنساني يتدفق كل صباح ليضيف دفئا لمشاهد الرواية دون تعطيل لطبيعة التناول الذي يسعى لتحقيق اتزان ما بين شاعرية البوح وتلقائية السرد، ليكتمل المشهد المنسي في تجربة الكتابة.

هكذا: ” خضوعا هذه أرض صغيرة تزهو بدمها، خضوعا، خضوعا، تحمل في فيئها سنينا مغمورة بالحلي، بالأحجار الكريمة، بسبائك اللؤلؤ، بعويلها الفاحم. خضوعا، خضوعا، ها هي تفتح رخام عزلتها لبطش الغزاة”.

لنرى ” التنور” إضافة تمثل تحد فني يراوغ بين لغة منتقاة برفاهية وتداعيات عنف المجابهة الإنسانية بين كائنات تغزوها قسوة المنفى الذي يقاول بانكسارها المؤقت وكيد العالم.

كتابة تسلك غمار المسكوت عنه، والملغي من ذاكرة المنفى.

” أعرف أيها الأصدقاء لأنكم لا تصدقون هذه الحكاية، لكم أن تسألوا مصطفى ابن الصياد حسين، الذي يقرأ لي رسائلهم. ماذا تريدون أن أقول لكم؟ أي خبر منذور لموتهم في غربة بعيدة، أي ريح قاسية تعصف بهم؟”.

-2 –

” أي فتنة تدعو للارتياب في هذه اللحظة؟”.