لتتقد وتشعل ذاكرة هذا الوطن بحبرها وحريتها في آن


 

 

 حوار الكاتب خالد الرويعي

جريدة الوقت

 

اذا افترضا أن الحركة الابداعية النسوية في البحرين – توثيقاً ومعرفة- بدأت منذ 40 عاماً تقريبا، وهنا ستخذلنا التواريخ، ومن هذا كله نشعر أن ثمة ضعف هنا وهناك على مستوى الحضور الابداعي للمرأة.. اذ يمكننا ان نضع معادلة بسيطة وعليه فإننا سنجد أن مقابل 15 رجلا هناك امرأة في الحقل الابداعي، وسنغض الطرف هنا عن التباين في مستوى الكتابة ومدى تأثيرها.. ولكن الأمر برأي يستدعي حوارا بشكل مختلف، إذ علينا ان نسأل لماذا هذا الحضور الضعيف.. بالتأكيد سنرجع هنا إلى الخلفيات الاجتماعية التاريخية من جهة و وأد المرأة ذهنياً.. ولكن كل ذلك لا يعفينا من السؤال لماذا؟


ففي حضور الشعر ثمة تجربة أو تجربتين أو حتى ثلاث؟ وهذا يشمل أيضا مستوى التنظير.. في المسرح والتلفزيون ثمة حضور هامشي فقط.. واقصد هنا أن الساحة الفنية تكاد تخلو من عناصر نسائية جادة على مستوى الطرح والنقاش والفكر؟ في التشكيل ايضا ثمة فقد.. لماذا؟ نعرف ان الوضع الثقافي له دور مؤثر – وهذا الوضع – هو ايضا ضعيف؟ ولكن لماذا ايضا؟

والكثير الكثير من الحديث:

–     كيف ترين حضور المرأة في التجربة الابداعية؟

–   ا المسألة الابداعية مسألة جادة لا تقبل بأنصاف الحلول.. وما نراه في 90% من تجارب النساء يعد ترفاً في حين أو استجداء لصوت الرجل.. ثمة تقاعس نسوي وثمة ضيق أفق.. ما رأيك؟

–  ف  في حالة مثل حالات المسرح مثلاً.. عدد الممثلات في المطلق قليل.. وعلى مستوى الجدية والنضوج والطرح يبدو شحيحاً.. أليس هذا وضعا يرثى له.. ام ان الوقت كفيل باخراج الجديد؟

–        إذا افترضنا أن ثمة (لوبي) ذكوري وقائم على الفطرة.. ألا تعتقدين أننا بحاجة إلى (لوبي) نسوي وقائم على القصدية.. أم ترين أن ذلك ايضا تحجيم ويضيق الفجوة أكثر؟

 

 –  من الصعب عند الحديث عن مساهمة المرأة البحرينية في التجربة الابداعية، أن نغفل عن مواطن الخلل التي تواجهها كمواطنة أولاً،على المستوى القانوني والسوسيو اقتصادي،عن تعسف الواقع الحياتي، ومدلولاته التراكمية التي عمقت فعل التغييب الذي تعرضت له فيما مضى، وفيما يشتد الآن، من تنامي لكوابح قيميه تتصاعد ضد صوت المرأة، المتخفي منه والمعلن ايضاً.

أحد أهم هذه التجليات تمثلت في المواطنة المنقوصة التي عملت على اقصاء المرأة من المشاركة الفعلية في مراكز صنع القرار، وبالتالي في كافة أنشطة الحياة الأخرى، كما تشير لذلك الوهن، كل تقارير “برنامج الأمم المتحدة الانمائي” و أحد أهم المؤشّرات التي تعكس بوضوح ضعف مشاركة المرأة العربية في الحياة السّياسيّة هو نسبة تمثيل النّساء في البرلمانات العربيّة، الذي يشكل أضعف نسبة تمثيل برلمانيّ للنّساء في العالم على الإطلاق، ويدلنا مؤشر تمكين المرأة والذي هو حصيلة عدة مؤشرات، على أن البلدان العربية بالرغم من ثرائها تصل إلى مرتبة ماقبل الأخيرة من بلدان العالم.

 يضاف الى ذلك، نفوذ “ثقافة التمييز” الفاعلة في المنظومة التعليمية والاعلامية، العاملة على تغييب صورة المرأة، وإحلال الصورة النمطية التقليدية، كل هذه المحددات يدعمها نفاذ التابو الاجتماعي، ترسيخ الأبنية الأبوية ومواريث سلطتها الذكورية، كما لا يغيب عن أحد، مدى المصاعب الأسرية، وتبعاتها التي أثقلت بشكل محموم كاهل المرأة وحدها، كل عائلة تتعدد في مجتمع يرزح تحت هجمة طوفان استهلاكي مدمر، كا أدلهمت العديد من الضغوطات النفسية والإستلابية، لتؤازرهذه القسوة كلها.

عندما نقترب من المشهد الثقافي، لنقتفي تجربة المرأة، حتماً سنصطدم بتسلط “إزدواجية ذكورية” تنساح على المشهد كله، هذه الظاهرة المستفحلة تجاه كتابة المرأة، نراها تستبد في كل دول العالم مع نسبية ما، في تجليها هنا أوهناك، أغلب الكاتبات – حتى في الغرب- يعانين من تلك الإزدواجية التي تحرص على تعميق دونية المرأة ، التعامل معها بتمييز جنساني بشع، حيث لا أحد يحتكم للنص الابداعي أوالتجربة الفنية، مهما اتقدت، وانشغلت بنحت الذات، يظل المعيار الراسخ هو النظر للمرأة كموضوع لا كذات مستقلة، إذا كان هذا البلاء قد تحقق في دول عززت مفهوم المواطنة منذ قرون، فما بالنا ببلاد لم تزل تحبو نحو ذلك.؟

ترتسم هذه الإزدواجية في كل معطيات المشهد الثقافي، المستمد تداعياته من حركة الثقافة العربية المثخنة هي الأخرى بكل تلك الاستلابات نحو تجربة المرأة.

أتحفظ على تعبير (لوبي ذكوري)، لكون المتنفذ هو منظور ازدواجي ذكوري يتخلل النظر المتاح لكتابة المرأة، وبالتالي بقدر ما هوتعبير(لوبي) مرفوض مبدئياً، لا أرى مواجهته بتشكيل (لوبي نسوى، كما يتم استدارج العديد من الكاتبات لذلك المبتغى)، حينها نكون قد أستوردنا أسوأ مفردات العمل السياسي نحو شرفة ابداعية، أشد شفافة و ملائكية من كل تلك المداهنات، خطورة كتابة المرأة تشتعل بما تشتمل عليه من قدرة على الفضح، الكشف، المغايرة، إعلاء الصوت، المجابهة بقوة الحرف وحرية الحبر.

بالرغم من كل تلك المثاقيل التي مضت، استطاعت المرأة البحرينية أن تواجه معترك الحياة بفاعلية منتجة، ومتميزة أيضاً، من خلال مشاركتها في العملية التنموية، أثبتت قدرتها واستقلاليتها على مجابهة تلك الصعاب، حتى على صعيد الابداع بشكل عام، نشهد الآن أغلب التجارب الجديدة في الشعر لأقلام نسائية، كما تنامت المواهب في التمثيل والفن التشكيلي تحديداً، ولكن ضعف هذه المشاركة يعبر عن مدى سيادة النظم الأبوية التي تواجه حضورها، بالذات الآن، فقد صرنا نتعرف على مواهب شعرية تكتب بأسماء مستعارة، خوفاً من نفوذ الأهل، ناهيك عن المحذورات الاجتماعية التي تصطدم بها، والتي لم تكن بهذه القسوة طيلة زمان مضى.

لقد برزت العديد من التجارب النسائية في الآونة الأخيرة، و لقد أسهم مشروع النشر المشترك بين “ادراة الثقافة” و”المؤسسة العربية للنشر”، في دعم العديد من المواهب الجديدة، كما أن تعدد المنابر الثقافية سوف يلعب دوراً في اضاءة تلك التجارب.

أن التحديات الراهنة أمام النص الابداعي، اضحت أشد صعوبة، مذ تحولت إلى رهان مع الذات، مذ تمحورت لسبر أسئلة الهوية، تخليق أتون التجربة، تحقيق فرادة النص، تحول التنافس بين المبدعين، لتحد آخر بين المبدع وذاته، فردانية مطلقة، لها أن تتقد وتتقدم بمنجزها، وحدها. ينهال هذا الملمح، في عموم المشهد الابداعي العربي، مذ سقطت المتكئات الحزبية والأسانيد السياسية، المجلات والمؤسسات المسيسة، تلك التي كانت تعمل على تسييد التجارب الادبية ضمن مفهوم متهالك لاعلاقة له بالابداع، بل للترويج لحمى الشعارات، بعدما انتهى كل ذلك، اتقد التحدي الوحيد الذي تبقى للمبدع مع ذاته وحدها، أمام النص وحده، حيث الموهبة وحدها.

أمام هذه التحولات، شهدنا تراجعاً لأسماء عديدة وتقدم لمواهب استطاعت مواجهة تلك التحديات، لم يعد الابداع ذا انتشار افقي بل عمقي، معني بأسئلة الابداع وحدها.

فيما يتعلق بندرة الاصوات الشعرية النسائية، نراها تتحقق في بلدان بتعداد سكاني ضخم مثل مصر والمغرب، نراها تعد على اصابع اليد، فما بالك ببلد صغير مثل البحرين.

هناك منحى آخر، أثر على الحضور الابداعي للرجال والنساء معاً، في الأدب، المسرح، الفن التشكيلي، الدراما، الغناء، المؤسسات الثقافية، وإن أحدث خللاً أعمق لدى التجارب النسائية، لطبيعة التحديات التراكمية التي أشرت لها، هنا، لا أشير لضعف الدعم المؤسساتي الحكومي تحديداً، طيلة الوقت الماضي، لكن لدوره في تهميش تلك التجارب والمواهب، الاحتفاء وحده، كان يتحقق لكل تجربة عربية تصل إلى البلاد، لحد ذهول هذه التجارب مما تلاقيه من مكانة مبالغ بها، وكثيراً ما كنا نصغ لها، وهي تشير لتغييب التجارب البحرينية عن تلك المحافل، تميز هذا الفعل في كل قنوات الإتصالات الأخرى، ثمة مكنة اعلامية آخر ما تكترث به الموهبة البحرينية.

أن التجربة الابداعية في البحرين، لم تتكل يوماً، أو تنتظر مساندة من أحد، بل اتقنت مواجهة تحدياتها، في أصعب الظروف القامعة، لتتقد وتشعل ذاكرة هذا الوطن بحبرها وحريتها في آن.