أمومة الكتابة
مجلة المختلف 23-7-1993
منذ ديوانها الأول ((استفاقات)) الذي صدر عام ١٩٨٤، ومروراً يمجموعتها ((هل أرى ما حولي، هل أصف ما حدث؟)) والذي صدر عام ١٩٨٦، وأخيراً ((حنجرة الغائب)) الصادر عن سلسلة كتاب كلمات بأسرة الأدباء والكتاب في البحرين، تبدو الشاعرة البحرينية فوزية السندي عبر انشغالها في اختزال قصيدة تمتلك مناخاً شعرياً خاصاً، تضبط فيه طقس اللغة وتراكيبها، أنها تفتتح مشروعها الأخير عبر إنشاء القصيدة المتنوعة، ذات الإيقاع المختلف، وعبر الحالة النفسية المغايرة بين قصيدة وأخرى.
إن البحث في مناخات الشعر أو القصيدة الجديدة هو ما يلاحظ عبر سيرة كتابتها منذ المجموعة الأولى لها.
-٢-
قبل الدخول في ((حنجرة الغائب) ثمة محاولة تدخلك فيها الشاعرة عبر مدلول إسم المجموعة، تجرفك نحو معالم معرفة، وكأنها بذلك تمتحن قدرتك كقارئ أخير، عبر تدفق الكتابة المرفقة بصوت الشاعرة.
((هذه حنجرة الغائب))
تقتحم عشاوة هذا الغياب، لترخي جبة البياض وتطغي في كتابة تستوفي تزر الحمى التي أشعلت ذاكرة تتشظى حولي وتبرز غرائب الأمل في غوائل الوقت.
لست الغصة
غصة من؟
أدري لكنها تخنق غرانق تحرق
بجناحيها وتهمس
يا للعذاب
معا. نفضح هجمة الحصار لتفوح
ضعائن السلالة
ويصل الممسوسون بجمرة اليأس
كنوارس تنبئ بقتل يانع
معا. من مهر يفتق خديعة الوقت
ويخبط القلب بخفاف ليل يسأل الغياب
نقرع الجماجم تحت ضوء الذئاب
هذه حنجرة الغائب
تذعن لفتك الكلمات، لريشة قلب مسكون بقناديل الروح
لزيت جسد يترنح بين أيديكم.
-٣-
في هذا النص، وعبر هذا العامل المرسل تختزل الشاعرة مكونات نصها كاملاً، على اختلاف قصائده الثمانية عشر سواء بإرسالها لموضوعات شعرية عديدة أو عبر التحرر النفسي للقصيدة نفسها، وإن كانت تلتقي في مناخ منسجم وتدرجات تركيبية حتى تبدو القصائد في مجملة ذاهبة نحو مناخها الخاص.
-٤-
في ((حنجرة الغائب)) لا تستدرج الشاعرة ما هو غير مألوف إنما تتعمد فشل كل ما هو آليف وحميم ومؤلم، عبر لحظات الكشف عما هو جميل في الشعر:
((كل شتاء فيما يكبرون
تحت مخلب الغزاة
على أرصفة المنافي
في وجه حناجر العروبة
يسرجون الهدايا
حقلاً من برتقالة الدم
قلائد تفوح برحيق الشهداء
أجنحة من قزح الريح
وايات لا تؤجل الخفق
هكذا.
يحترفون فضيحة الفرح موتا لأميرة
الزيتون، تلك التي لم تذق نهدة
المدن)).
أو كما في قصيدة ((ممالك)) حيث تكتب الشاعرة:
.. أيتها الأميرة
يا من تخيط لنا
جسراً من الجراح
أما زلت عارية؟
ما أشد بطشك
ما أرق طيشك
أيها الطفل الضرير
يا ضيف الذاكرة الدائم)).
-٥-
إن في قراءة ((حنجرة الغائب)) ثمة إشارات تلفك، وتأخذ بك نحو الاحتجاج، أو الصراخ، ذلك إن العامل ألا وهو إسم المجموعة ((حنجرة الغائب)) يظل منذ السطور الأولى التي تدخلك فيه الشاعرة، عبر تعريف أو تقديم حالة أو وصف ما، كل ذلك وغيره يصبح مرافقا لك عبر قراءة القصائد، ومحرضا قوياً في البحث في مرجعية هذا العامل (اسم المجموعة) ضمن ذاكرة الشاعرة:
في إشارة أخرى تقول:
((لم يحدث شيء
سوى
أننا اقتسمنا صمت ما حدث))