الحرية هي الرهان الاساسي


مسقط – عمان

أزمة النشر في العالم العربي تشكل الدول المتقدمة حوالي20% من مجموع السكان في العالم، وقد أصدرت أكثر من 70% منالكتب في العالم، بينما العالم الثالث يشكل حوالي 80% من سكان العالم لكنه مع ذلكينتج وينشر أقل من 30% من الكتب في العالم، بهذه المفارقة يجب علينا أن ندرك حجمالمشكلة التي يواجهها العالم الثالث والعالم العربي على وجه الخصوص ويعد النشر هوأحد تلك الأوجه التي تحتاج إلى أن نقف على العوامل التي تحد من عملية النشر فيالوطن العربي، حول هذه الموضوع قررت المسار أن تناقش هذا الموضوع من خلال هذاالملف.

ماهي العوامل التي تحد من عملية النشر في الوطن العربي؟

يتعرض الوطن العربي للعديد من الاشكاليات التي تعيق عملية التنمية الثقافية وتحد من التعددية الثقافية التي تشكل أهم التحديات في راهننا الحضاري، اهم تلك المصاعب سيادة الانظمة التوليتارية-الفردية- التي تسهم في غياب الديمقراطية بمعناها الجذري الفاعل، مما يؤدي الى شلل مؤسسات المجتمع المدني ومرتكزاته الثقافية، ناهيك عن التردي العام على مستوى الإرادة السياسية المستقلة للعديد من الدول العربية، وما تحقق من احتلال عسكري للأرض بعد العمل على محو الهوية العربية.كل هذه المناحي تؤثر بشكل عمقي في المشهد الثقافي، بما انتجه نهج الاستبداد من تفشي لثقافة الاستهلاك الناجمة عن التعاطي المجتمعي مع عملية التنمية الاقتصادية من منظور تعزيز المنتوجات الاستهلاكية، وتدوير رغائب التسويق، دون العمل على تخليق بنية انتاجية راسخة.إطلاق الهجمة الاعلامية التي تروج للإسفاف والتهريج على حساب معالم حضارتنا الابداعية.ان مهمة نشر الكتاب وتوفيره للقارئ هي مهمة حضارية بالدرجة الأولى، أتقنت تأسيسها الحضارة الغربية التي تعي طبيعة نفوذ تاريخها الثقافي، ودوره في تأسيس شعب واع، ومدرك لتحدياته المستقبلية والراهنة، شعب قادر على التعاطي مع مشكلاته بجدية منتجة ومسؤولية بالغة، تلك الحضارات، لم تعمل على نشر الكتاب فقط، بل اسهمت في ترسيخ والدفاع عن حقوق المؤلف، واحترامها كحق أنساني اوصت عليه كافة الشرائع والقوانين الدولية، أسست معارض الكتاب الجادة، قدمت الدعم الكافي لطباعة المؤلفات، وإعادة ترجمة ونشر المخطوطات، استضافة الأدباء والمفكرين- حتى العرب- لإغناء مؤسساتها الادبية والفكرية.أما البلدان العربية فسعت لأهدار حقوق المؤلف المصانة على الورق فقط، وفي أغلفة الكتب، عممت المعارض لتسويق كتب الطبخ والوعيد والتنجيم، شددت الرقابة على الكاتب بل تم اهدار دمه وتكفيره لحرف هنا أو جملة هناك، عززت الدرك على الحدود لمنع دخول الكتب التي تختلف مع رؤاها، انشئت صحافة ثقافية استهلاكيه تسطيحيه لا تهتم بالفكر الرصين أو النقد الجاد أو النصوص الأدبية المبدعة بل اسرفت في استضافة الكتابات الاستهلاكية والنقود الصحافية الانطباعية التي تهاجم الأدب الحداثي، وتصفه بالغموض لأنها لا تفهمه لذا حرض الناس ضده، ضمن شعارات قديمة ومتهالكة، بكونه يكتب لذاته وليس للجماهير العريضة، منساقة لذات الشعارات التي اهلكتنا طيلة الماضي الذى حضرنا لحاضر مهزوم بذات الشعارات.تشكل غياب الرؤيا الاستراتيجية للثقافة في بلداننا العربية ضمن مرتكزات الثقافة الحكومية والخاصة، عبء لا يستهان به تنوء به الثقافة، وما يتصل بها من معيقات لعملية النشر، غياب الترجمة أيضا، كمصدر مهم لعملية الحوار الحضاري، طغيان التوجه الاعلامي الاستهلاكي المسموع والمقروء والمرئي، كل هذه العوامل تتحد لتحقيق الاشكال المتعلق بالحد من عملية النشر.تتبدى معضلة دور النشر في تحولها من مؤسسات ثقافية، تتحمل مسؤوليه مهمة كما كانت تفعل في الخمسينيات والستينات من القرن الماضي، إلى اخطبوط شرس يرفع شعاره الأزلي في وجه المبدع: ” أدفع ثم انشر”، ناهيك عن دورها المخرب في نشر الكتب الفضائحية والترويجية لتسليع كل شيء، لغمر جيوبها بالنقد فقط. ضمن ما سبق، تعتبر تفشي الامية الابجدية والثقافية، وسيادة الفقر، من أهم العوامل التي تواجه فعالية النشر وتداول الكتاب، لكونها من المصائب المسكوت عنها، بل العمل على مضاعفة بلوها عبر تسييد الجهل ضمن المنابر التربوية التي لا تعمل على تحديث المناهج المدرسية والأكاديمية ايضاً، ليظل الطالب في حصار من البدائل التعليمية القديمة والتي لا تواكب الحداثة التنويرية.ان مسألة اشكالية نشر الكتاب العربي، تشكل الجزء المتفاقم من هذا المشهد المتردي، لإصلاحها لابد من تقويم التوجه الاستراتيجي الحضاري نحو الثقافة العربية، بالرغم من الاجتهادات الجادة التي تتناهض هنا وهناك في بعض العواصم العربية، الا ان المشهد الثقافي العام لا يشي بنهضة حقيقة نابعة من.ان العالم اليوم تحول الى شبكة اتصالية معقدة ضمن ثورة المعلومات، لا مكان فيه لشعوب تتعثر نحو الحرية، الحرية هي الرهان الاساسي نحو انتشال حالنا تجاه المستقبل، لن ينتظرنا احد من هذه الشعوب الفاعلة نحو تعزيز منجزها الحضاري، ولقد تحول فضاء الانترنت الرحيم بنا من قسوة اليابسة الى منفذ مهم لا يستهان به، تجاه تواصلنا والحضارات الأخرى، نشر اباعنا بحرية بالغة، تعرف العالم بقدرة حرفنا العربي على التحاور معها، كما فعل اسلافنا من المفكرين والفلاسفة والادباء، اولئك الذين ادركوا دورهم الفاعل والمؤثر في حضارة الآخر وحواره عبر التواصل معه واحترامه وترجمة آثاره الفكرية.