هدى الجهوري
جريدة عمان – سلطنة عمان
فاجأتني الكاتبة الكندية مارجريت أتوود، وهي تطرح هذا السؤال الصاخب في كتابها “مفاوضات مع الموتى”:
ما هي الكتابة. هل هي نشاط إنساني، أم أنها تكليف إلهي أم هي مهنة، أو عمل مضجر نؤديه من أجل المال أو لعلها – أي الكتابة- فن، ولماذا يشعر كثير من الناس أنهم مجبرون على أدائها؟ ما الذي نعنيه بالضبط عندما نقول كاتبا؟ أي نوع من الكائنات نتصور؟
فرجينيا وولف ترى أن الكتابة تشبه السير في حجرة مظلمة ممسكة بمصباح يضيء ما هو موجود في الحجرة بالفعل.
مارجريت لورانس تشعر عندما تكتب أنها يعقوب يصارع ملكه في الظلام وهو فعل يجتمع فيه الجرح والسباب والمباركة في آن واحد.
وهنالك من قال إن الكتابة هي: “جمل – بفتح الجيم- صعب المراس”.
فما تصورك أنت عن الكتابة التي تمارسها.. عن الموقف الذي تجد نفسك فيه؟؟
– الكتابة فعل اختراق للصمت واكتشاف للذات في آن، ذاكرة ننصت للحياة من خلالها و ونرصف السطور بحروف لا تنشغل الا بحوافها الصعبة وأسئلتها النادرة، حرية لا تحد، الزمان والمكان مكونان يتقاطعان ويؤثران عمقياً في أتون الموهبة، لكنهما لا يحكمان تلك الجذوة المتقدة بجرأة الكلمات وجنة الرؤى، فهي دائمة البحث عن مكان يتسع لأقاصي حريتها، وزمان يحتمل آفاق رؤيتها، الكتابة وهي تكتشف مغاوير الذات الانسانية وهمومها، تجتهد لتتقن نحتها بفرادة تدوم على الورق.
كتابتي تعبر عما يتوافد في اعماقي من اسئلة وحوار دائم، وعما يتدافع نحوي من تجارب حياتية مكتومة بمقاديرها، عندما أكتب تتقدم تلك الاعتمالات الفكرية والفلسفية بتلقائية وتندغم في صور شعرية تتراكض نحو نهب المنتهى، ثمة تجربة شعرية تتخلق بذخائرها التي احتدت وهي تصطك في اعماق روحي قبل ان ترى نور البياض.
شاعرية التأمل طريقة لاستعادة الروح لاتزانها وسكونها بعيداً عن ضجيج العالم، للعزلة بمعنى الانفراد بالروح ضرورة بالغة لتشريف الشعر لضيافة الورق، بطبعي أحب الهدوء والصمت، الشعر زاد من توقي لمشاغلة الذات ومحاورتها، سواء عبر الكتابة أو خارج الكتابة، لدى عناية فائقة لترتيب المكان ليبدو أكثر ليلاً، لتهيئة الروح لتغدو اشد اشتعالاً.
الكتابة كالهواء.
كالحياة لا نشعر بصعوبة ينوعها على الأرض وهي تبدع الحدائق والغابات والأنهار والجبال العصية على التحديق، الحرف وهو يتقد على الورق لا يقل عن الفحم الذي تبلر في غوامض مناجم الروح ليضيء كالألماس واهب الرؤى.