جريدة الخليج
الإمارات العربية المتحدة
1-أزمة الشعر العربي، هل هي أزمة نقدية ثقافية أم أزمة جمهور؟
– بعيدا عن تداول تعبير “أزمة” الذي لا أحبذ استخدامه، أرى بأن الإبداع على مر العصور كان ولم يزل يشكل خط الدفاع الأول عن حرية الكائنات، لذا صار يفتش عن حرياته المتمثلة في النص الإبداعي ويعمل على تكثيف طاقة المواجهة التعبيرية والفنية لديه ضد كل مصادرة يتعرض لها الإنسان بشكل عام، في تجربة الإبداع العربي ماضيه وراهنه، لا توجد إشكاليات تتعلق بتفرده أو بحضوره كمنجز فني، ولنا أن نسأل: بماذا تحتفي المؤسسات الثقافية الغربية من نتاجات العرب الإبداعية؟ هل تحتفي بالمنجزات العلمية أوالاكتشافات التقنية أوالفكرية والنقدية والفلسفية، تلك المؤسسات تستضيف وتترجم وتحاور الابداع العربي بما يشتمل عليه من شعر ورواية وتشكيل وموسيقى، وغيرها من الفنون التراثية والمعاصرة، لكونها المنجز الوحيد الذي أتقنه المبدعين العرب وهنا أشير للأبداع المتفرد والمتميز الذي استطاع أن يفرض فرادته على الآخر، أعود لمحاورة ظاهرات- مثل غياب النقد الذي اجزم بحصوله، وأيضا ندرة التلقي والتواصل مع التجارب الإبداعية، وغيرها من المصائب التي حققتها ثقافة الاستهلاك نحو الواقع الثقافي العربي المتأسس على جملة من الانهيارات القيمية والرؤيوية ضمن الصعد المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تجلت في سيادة الاستبداد بتلاوينه، سيطرة الثقافة الواحدية، انعدام حقوق الإنسان وحرية الإبداع والبحث العملي، غياب دولة المؤسسات والقانون وما يستتبعها من مكونات المجتمع المدني المتحضر المشتغل على لغة الخلق والإبداع والمحاورة مع الآخر، لتحقيق الشراكة في صناعة العالم، مما أدى لتخلق واقع استهلاكي شمل حياتنا بأكملها، ضمن اقتصاديات غير منتجة، إرادة سياسية تابعة، ضمن هذا المناخ لابد للإبداع المنشغل بدفاعاته وبتميزه الفرداني أن يجد أمامه صعوبات بالغة في عملية التواصل والآخر، هذا الذي تم إشغاله وإلهائه بالابتذال الاستهلاكي السلعي والثقافي عبر سياسات إعلامية قائمة على التجهيل المستمر.
2- هل أنت من أنصار القائلين بأن الشعر لا بد أن ينحصر داخل اهتمامات النخب والخاصة، بدلاً من كونه شأناً جماهيرياً؟
– أنا من أنصار الورقة والحبر والحروف، نصيرة عمياء للشعر وحده، وللآخرين حرية الانتصار لما يشاءون، أن يكون الشعر شأناً جماهيرياً أعتقد بأن هذا المفهوم الديماغوجي أتقنت تسويقه سنوات حمى الشعارات، عندما كان الشاعر يستند لترويج قصيدته النارية على سيادة الحزب أو قوة المؤسسة الأدبية، يحارب بشعارات لفظية غير معنية بالشعر، عندما كان الآخرين من الدعاة يسندون ضجيجه بالتصفيق وحماس الهتافات، حيث لا صوت يعلو على صوت المعركة التي رفعت راياتها المهترئة مبكراً، أما فيما يتعلق باهتمام النخب فهي مسألة متاحة لهم بحرية وتندغم ضمن ذائقيتهم الفنية،
أراني معنية بالكتابة وحدها.
3- ما هي أبرز أسباب وبواعث تأزم التداول الشعري بين الجمهور؟
– بالإضافة لما سبق أن نوهت إليه من تداعيات الاستهلاك الثقافي الذي دمر كل شيء، أسأل بدوري: هل هناك تداول جاد للكتاب الإبداعي العربي خارج كتب الطبخ والفضائح والأدلجة بتنويعاته العقائدية والفكرية، هل ثمة متابعة للمسرح أو للموسيقى أو للفن التشكيلي، مسألة التواصل بين الناس والعمل الفني لا تتعلق بالشعر وحده، المسألة مرتبطة بمجتمع قائم على ترويج ثقافة استهلاكية بلغت من الهشاشة والانهزام إلى حد تعالي اهتمام عارم لتسييد الجهل في كل وسائلنا الإعلامية ومؤسساتنا التعليمية، أمية لا تنحصر بمدلولها الثقافي بل المعجمي اللغوي، محو الهوية، وإلا كيف سوف تنجح المؤسسات الصناعية الغربية برساميلها الطاغية في إعادة تدوير عائدات النفط وتسترجع مدفوعاتها من هذه الشعوب أن لم تسيطر على رغباتهم الاستهلاكية وتديرها لإشعال حمى التسليع ولا شيء سواه؟
كيف تتقن ذلك الانتهاك لسيادتهم، أن لم تمحو فكرهم وإرادتهم، تاريخهم، أن لم تدمر ضميرهم الإبداعي؟، لذا يشكل إحلال الثقافة الاستهلاكية إحدى أهم المرتكزات لإلغاء ذاكرة الشعوب، تغييب “الجمهور” ضمن اهتمامات غير جادة وبعيدة عن تحدياته الإنسانية والحضارية.
4- هل ترين أننا نعيش في زمن الرواية حيث يطغى هذا الجنس الأدبي على حساب الشعر؟
– نحن نعيش في زمن الاحتلال العسكري المباشر للأرض وللشعب، سواء عن طريق غزو الجيوش الأمريكية أو عن طريق انتشار القواعد العسكرية أو ارتهان الشعوب والحكومات العربية للاشتراطات العدوانية، لا زمن الرواية ولا زمن الشعر، كل الأشكال التعبيرية تتجاور وتتحاور بحرية، بينهما يتقد التفرد والتميز الفني ولن تأتى الرواية على حساب الشعر، ولن يأتي الشعر على حساب الرواية، لكل منهما حقلاً متخصصاً متميزا وقراء ينعمون بذائقية فنية متفاوتة، لكن الاحتلال هو من يأتي على حساب حريتنا وكرامتنا واستقلالنا.
5-الأزمة التي يعاني منها الشعر، هل هي إيذان بموته؟
– للأسف الشديد، صحافتنا الثقافية لم تزل تعمل على تداول مفاهيم لا تمت للإبداع بصلة، ما أن تستثار هذه المفاهيم في صفحة ثقافية ما، حتى تستشري في بقية المنابر، كأنها عدوى تستفحل وعلى الشعراء العرب مكافحتها دوماً، أسال بدوري: كيف يموت الشعر العربي؟ الشعر الذي تم تدوينه منذ الجاهلية أو الشعر راهننا الذي يتصدى وحده، بمعنى آخركيف تموت الحياة؟
إذا اتفقنا على تماهي الإبداع بالحياة ذاتها وتحديداً الشعر، نصل لماهيته: الدفاع عن قيم الإنسانية والحرية والعدالة ووحدة الاختلاف، كماهية وصيرورة الحياة ذاتها، الحياة هذه المدافعة الشرسة، عن نقاوة الأرض وبراءتها، ضد ما يحدثه الشر الكامن في البشر من حروب وتدمير وقتل ودخان كل نهار، ما يحتضر ليس الشعر لكن هذه الحضارة العربية التي كانت.