في عينيك أراني،
أرى قدمي المتعبتين تنتشلان الوحل البارد
ثيابي المكنوزة نحو قلق ساري
ظلالي الذاهلة وهي تقتفى ضلالي،
دموعي المشتكاة، المجارة من وجنة لا تهتديني.
أشفقُ على مسراتي الكئيبة دونك.
أساورُ دياجير الكسير من تعبي.
أناورُ غاية النكران،
لذا أحبك،
أحبك.. كمن تهوى غديراً أبكم،
شلالاً أخرس، أسرفَ في شرخ قلبي نحوك
لأشهد العصف النادر،
ما أهدرته تلك القبلات القليلة،
إذ ترتشف شفاعة أرواح كانت لنا.
في حضنك أتعلم كيف أموت بتؤدة الخنق.
في عسل دمعك أحترف هتون لسع الشمع.
مع غالي يديك أحاول نشيش احتراقي
إطلاقاً،
لا أتقن تهجى معالم حبك، ولا تقصي نواياه الخفية.
حينما أتنفس رواحك الهاذي ومجيئك الصعب،
لا أكترث بمجون هذا العالم وهو يتعالى بفخر هكذا،
بل أركن لزوايا قلبك المشرئبة بي،
وأحبك كساقية لا تتعب من دوار شهيق يتلو زفيراً،
يتهالك نحو هواء آخر بخيل على رئتين تنعدمان.
حينما أراك،
أبحث، محتلة من حدوثك، عن حبر غائم
أنقب به عن غيم عليم بماء قلب يتماوه بك
لأرسم زوالك المبكر،
أدون رائحتك الجليلة،
أنحت انشغالك الحثيث بي،
أوتر آلات عمري كلها،
لأنتحبك، أو أغنيك، أو أمتثل بمرآك،
يا جرأة قدري، جرم وقتي،
قديس صمتي.
لي بيت مزحوم بعرائش خضراء تنشر أردية الليل،
نوايا ورد محاصر ببكاء الماء،
عشب يتيم يتعاضد ضد جفاف لا يراه،
صبار يكتم ظمأ نواحيه ويغدق صخب أشواكه الخجولة،
طوب أحمر يرتصف تيه دروبي،
زهيرات تصطبغ بدم يكفي لأنتحر صوب مرواها،
عباد شمس أعمى،
نهر من حصى وآجر كاسر، يكتم عنف زواياه،
حديقة ترعى آلهة لا يصطبرون على صيت ينوعها
لذا تغويهم بقداستها،
وهي ترتكب ذبحاً تلو الآخر.
أمامها،
أنحنى ببالغ صداي،
أركع بمنتهى اغتفاري،
أنثني على ركبتي
وأرتقب اندلاعك نحوي.
مساء وآخر..
ليل وآخر..
نهار وآخر..
بعد جور هذا العصي على صمتي كله
أخلع خطوي من منتهاك،
وأتزوّد بي.
قبل أن أحبك،
كنت أضيع روحي في صرة مستقبل كسيح لا يرحم
أساوم مواضي الغائمة بعرفان وقت كاهن لا يهتم،
وأغلق صبر حواضري على قدر ممل.
و
ما أن صدحت نحوي بعينيك النافذتين كقطتين لاسعتين
وأنا أداوم نحر أنفال فوزي الخاسر نحوك كشريان مهدور
حتى اجتلت خواطري بنوايا بواقيك،
ارتحلت شواغفي نحو شفتين عاجيتين تبرقان بمطر داو
لأشتهي زوالك المبكر كيلا أموت بلاك،
كيلا يتعطف قبري القليل ويقترب سراعاً دونك.
ما إن تراخيت بخطوك الغريب صوب ملاذ صمتي،
حتى استحل قلبي كل شيء لم يمض.
حينما أحببتك،
كسوتُ بي كل المرايا التي تراك،
أتحفتُ الوجد الذي تناجز بي
عاندتُ ذخير البنفسج الذي استرقاني للشفاية منك.
قل لي: من أنت؟
لأمزق ما تبقى من وقت كسيح راح يلهو بلذيذ سم يسترسل
لأواسي وجيد ُسكر بات يوافي خلايا جسدي
لأغاوي لهفة جن تعالت بغتة من قلب قديم
لتكتويني وحدي بهالات سحرك.
مزدانة بك،
بنحول خطوك الغريب والطريق يتشاسع،
بغرق المبحر نحو سماء تشتعل،
بكفيف القبر ملتثماً كفناً متعباً،
يستهل تراب المجازات لئلا يضمحل
منتهاة بك،
ولاشيء دونك يمتثلك دوني.
لرائحتك هول ياسمين عتيد يخلب بتلات المدى،
لهمسك خرير المدار وهو يرتب الكواكب لتغزوه،
لجبينك حس تعاريج النبات المغالي بهسيس البراعم،
ليديك راحة السنابل المثقلة بفجورها المذهب،
لعينيك قدرة السناجب المهدورة بخفايا الخفاء،
لقميصك لعنة الأشرعة قبل الغرق بنكهة الهواء
لخطوك غيلة المعاول وهي تناوش خطايا الروح.
أحبك وأعجز عن صفات عطرك،
عن غفو لهجك الغريب على جناية ساعدي.
حين أراك تبتهل لموتك المؤجل
أهرع نحوك،
َكيمامة مبتلة بوفير أجنحة تحرس ذهابك.
أزَّ الهواء كنحلة راوغتها رحى الرياحين
غادرتها خدور الأكمة وما فيها،
داوتها أسافين الورود بلقاحها الشهي
حتى نالها الإغماء المبكر،
دون قطرة عسل واحدة
تعتريها منك.
أحبك،
بت أعضّ أصابعي كلما تذكرت اسماً يصطبغ بميقات حلولك،
كلما تذكرت قدومك نحوي، بصبا لم أعهده، بينوع لا أتذكره،
ببرودة قبر قاس علي، بغصة شاهد هاذ نحوك.
أحب فيك هواك المغالي بإهتيال هواي،
ديمومة تجليك نحو غمام يحتذي هطولي،
تهجيك لواحة جسدي على الدوام،
وتجنيك لراحة روحي على الدوام.
أشتهي
حدوثك ملتحماً بأنفاسك المشاعة قربي،
نفاذك العميق في غيبوبة رواحي.
أحب رجفة عينيك،
كلما زلَّ جفناك المسبَّيان بحدقتين شهوانيتين
ومضت في رجفة لا تراعي أحداَ
كفارس قدير على لجم ذبيحة لا تنتهر الذبح.
وحده الليل-
غفيرنا الخجول،
حامي عزلتنا البهية،
بهي وقتنا القتيل،
رمح قلبينا المحاربين،
راعي غزوتنا الجريئة-
وحده القادر على نبش حبرنا المؤكد.
أحبك كما لم أحب
أحياك كما لم أحيَ
كما قلبي- الآن- يكاد يعتني بي:
لا يحرض قبري قبل حلولك،
لا ينتزع شظايا روحي من قساوة العظم قبل أن يهتديك،
لا يدعني أنام وحدي،
مسمراً مرآك خلف عتمة جفوني الرائية منحاك:
كل هذا،
لئلا أموت دون أن أحياك.
لذا
لذ بي.. وأحتلَّ ما تبقى
من سكناي.