” تحقيق الذات هل هو مفهوم مرادف للأنانية وحب الذات والتضحية واستنزاف المشاعر أم هو عكس كل التوقعات يعني تقدير وحب الذات الذي يؤخذ دائما بمعنى تحقيري بينما هو العكس يشير الى أعظم حرية داخلية يمكن بلوغها.
لماذا نحتمي بالماضي ونتعلق به كخشبة خلاص ونطعن في الحاضر كخطيئة.
انها حياتنا التي نروي عطشها ببريق حلم مستحيل وشذى الأمل.”
عزيزة البسام
1-
هكذا كتبت قبل الموت، كأنها تقرأ ألم المستقبل.
كأنها تصغي للضجيج الذي سيجترح بطولاته المقترنة بأوهامه المتهدمة.
عزيزة لم تفارقنا، بمعنى المكوث طويلاً مع كلماتها، ابتسامتها، نقاوة قلبها. عطر روحها.
نصغي لها دوماً ونحن نترحم بشدة على غيابها المبكر، ونشد من عزمنا على الحياة دونها.
كلما اكتب عنها أراها أمامي تبتسم كعادتها وتنظر الى روحي.
لا ينهمل دمعي وحده، بل يتقاطر قلبي.
ماذا عساي أكتب عن صديقة لا تغيب، عن ذاكرة تراها دوماً، وهي واقفة على باب جمعية النهضة ترحب بالآتين، وهي تتحدث بلهفة غامرة عن مشاريع تتدافع بمحبة طاغية وهي تكتب برفقة رؤى ترى المستقبل البعيد.
وهي تموت بهدوء ملاك يحتفي ببياض مهدها الأخير.
كما اعتدت تماماً، ولأستوفي مدى حرص كلماتي على الاحتفاء بكتابة الصديقة النادرة على مستوى العطاء والبذل والتضحية والإسراف في المحبة، الكاتبة” عزيزة البسام”، تلك المرأة القديرة على البحث والسؤال والاجتهاد النقدي، بل إثارة التحديات كلها-التي نحتاج لمثلها الآن- بجرأة غير معهودة، لكونها على الدوام كانت جديرة بحرية الكلمة وجرأة الموقف، بدءاً من تضحياتها الكثيرة حتى وداعها الأليم.
بالرغم من فقدنا المرير لها، لنا أن نتعزى بما تركته من مواقفها وافكارها النيرة،، تلك التي تثير التساؤلات نحو توجه فكري مهم، كانت “عزيزة” ضمن كل الحوارات تتوجس المخافة كلها وهي تؤكد على أهمية سعي المرأة العربية لاستيعاب طبيعة قضاياها ومن ثم الدفاع عن حقوقها، عبر تجاوز المشكل الوحيد الذي يعوق دون استحصالها على قوة دفوعاتها، ببساطة كانت تشير نحو عدم اهتمام المرأة بالوعي المعرفي اللازم والثقافة الحقوقية التي تؤهلها لإطلاق حرية صوتها، ذلك لعدم اندفاع المرأة لهذه الحقول الثقافية التأسيسية، لقد تنامى هذا الاشكال كنتيجة حتمية لخضوعها لمتطلبات وهجمة هذا الواقع الاستهلاكي المدمر، هيمنة السوق بمقاديرها التسليعية لكل شيء، بدءاً من البضائع حتى المشاعر الإنسانية، سوق نقدي يهتم باكتساح البضائع وحدها و ترويج الوهم الإعلاني المدمر للعقول و اللاغي لطاقات الفكر، كرنفال تسويق لا يكترث بأي شيء، بل يسعى لتحطيم كل القيم و المبادئ و المسلكيات الحضارية التي تتقن درس الحياة و تعترض على إندفاعه المحموم.
لذا حدث كل هذا التراخي الأليم تجاه أهمية تحصيل المرأة على الوعي أو تسلحها بالمعارف الحداثية العميقة، لتستطيع على الأقل الدفاع عن مكتسباتها، إن لم تكن قادرة على الذهاب نحو المطالبة بما تستحق، بالرغم من ثقة” عزيزة” البادية في العديد من النسوة اللواتي إستطعن تأكيد حضورهن المتميز، لكنها كانت دوما تشير- بأسى عميق- للغالبية المقصاة عن مواقع الفعل وتتنادم على الملتهيات بسلع السوق وزيف اللهو الاستهلاكي المدمر
هكذا كتبت لنا:
“إن متابعة ودراسة ردات فعل النساء والمواقف التي يتخذنها تجاه قضايا تتعلق بأدوارهن ومراكزهن في المجتمع وحقوقهن الاقتصادية والسياسية إلى جانب القضايا المجتمعية الأساسية أمراً في غاية الأهمية لفهم دور المرأة في حركة التغير والتقدم في المجتمع، وبالعودة لسؤالنا الأساسي وهو كيف تواجه المرأة في البحرين القيود الاجتماعية والاقتصادية التي تقف في وجه الاستفادة من قدراتها وإمكانياتها؟ هل يمكننا وصف موقفها بالسلبية والعجز والخضوع للأمر الواقع.. أم هناك مواجهات مستترة ومن حين لآخر واضحة ومعلنة حسب طبيعة الإشكالات القائمة؟ لا يمكننا القول إن موقف المرأة في البحرين تجاه القيود الاجتماعية والاقتصادية التي تعترضها تتخذ الاتجاه السلبي في التعامل مع مشكلاتها القائمة بشكل قاطع، ذلك لأن الموقف من التغير ليس هو ذاته عند كل النساء، فالمصالح الطبقية والوعي الثقافي والاستقلال الاقتصادي، كلها عوامل تحدد موقف المرأة كما الرجل من التغير الاجتماعي.”
2-
عزيزة احتملت حياتها بما وهبته من محبة وحكمة ضد الألم.
رفقتنا لها كانت درساً لا متناهيا في تعلم معنى الحياة دون مقاصد ومصالح وأجندات وغيرها من المصطلحات المتفق عليها في جراب الجشع.
علمتنا معنى الحياة بمحبة لكل كائنات ومخلوقات الله دون تمييز او نبذ.
كالوردة اهتدت بتعاليم الندى، وتمايلت على غصون التعب حتى تراحت لغياب اضاء الوقت كله بعطرها الفريد.
عزيزة: رفيقة قلب أمهلتني حمم الغياب كلها، دون منازع أليم سوى فقدها العصي على الاحتمال.
كانت ولاتزال صديقة لقلب لا ينبض الا بذكراها
عزيزة امرأة تدير بلاغة العمر،
لئلا تضلل ما يؤجل الموت
لئلا تجازي ما يرتكب الحياة.
3-
عزيزة لؤلؤة،
لم تخسر غير محارة تتكسر