فوزية السندي


فوزية السندي

بقلم: عائشة حسين

كانت بدايتها مع كتابة الشعر عام 1957, ثم أخذت تنشره بين عامي 1979-1980, في الصحف المحلية والخليجية وبعض الصحف العربية, وكان أول ما عرف لها من شعر يتسم بالنضج قصيدتها “وطن يزهو في القلب” التي نشرت مع مقالة تحليلية للقصيدة في مجلة الأقلام ضمن مواد العدد الخاص بالأدب في البحرين والكويت.

أصدرت الشارة مجموعتها الشعرة الأولى “استفاقات” عام 1984, ثم أعقبتها عام 1986 بمجموعتها الثانية “هل أرى ما حلوي, هل أصف ماحدث”.

ويلاحظ على البينة الإيقاعية في مجموعة “استفاقات” ترددها بين قصيدة النثر وبنية التفعيلة ضمن القصيدة الواحدة..وهو تردد لم يسلم منه أي نص في المجموعة المذكورة, مما كان يعكس قلق تجربة الشاعرة, إجمالاً, وتأرجحها بين بنية ثابتة تحرص على تجاوزها وبنية وليدة تهفوا إلى بلوغها أو الهجس بها. وقد تجسد هذا القلق على مستوى المضمون الفني في إطار ما دعوناه في بحوثنا بظاهرة “الهم الإبداعي”, بحيث شكلت عناصر مثل (القافية والوزن والصرف وغيرها من عناصر الإبداع) مفردات ذات أهمية خاصة في مجموعة “استفاقات” إلى الحد الذي استغرق الشاعرة في كثير من الحالات مما جعل من هذا الهم الإبداعي نفسه موضوعاً لعدد من القصائد كما يبدو من عناوينها مثل “وقت للقصيدة” التي نجترئ منها المقطع الآتي للتدليل على هذه الظاهرة:

صرت في البرد

وأحدس كالطيف بألوان القوس

في نشوة التخيل أطرق خدر الفعل

كما للوقت ظلال السنديات

للهذيان رجرجة الأفق

أزين انطلاقة الجحيم في شكل يتداخل في ظلي

فأرى بياض السماء قواف تسرجني

في ملهاة النعش

أستفرد بهزيع الحقول-المفردة

ألازم إزميل الروح

لست ساهياً

أهدهد المناجل, تجري مثل دمي

تيممت بهدير اللغات

أرى الكلمات وأرقب الحدائق

أتموسق في أوزان رهيفة تلد الأوزان

والجمرة ملهاة العاشق

فمن يقرأا؟

حرف يوازي وجع القصيدة

ومثل مجموعة الشاعرة الثانية مرحلة تطور واضحة في مسار تجربتها الفني. فقد اختفت بصورة واضحة حالة التردد الإيقاعية المذكورة, وحسمت الشاعرة موقفها لصالح “قصيدة النثر”, مما أتاح لها فرصة التركيز على لغة النص وبنائه الفني وإيقاعه الداخلي (إيقاع الصورة والكلمة والحرق) وهو تركيز أكسب تجربة الشاعرة تميزاً خاصاً وثراء ملحوظاً خاصة فيما يتصل بالتداعي الصوري الحر الذي يشبه حالة الحلم في القصيدة.

وقد خفت نتيجة لذلك ظاهرة “الهم الإبداعي” في هذه المجموعة الناضجة, ولم تعد طافحة على سطح القصيدة أو متجسدة في صورها ومفرداتها. بل نجد توظيفاً خفياً حياً لهذه الظاهرة خاصة على مستوى الموضوع والفكرة. وهو ما يمكن ملاحظته في قصيدة بعنوان “معلقة”, مثلاً, مما له دلالته على مستوى الموقف من التراث الشعري العربي. ولعل ذلك يعود إلى ضمور الحاجز اللغوي والفني الذي كانت تكابده الشاعرة في مجموعتها الأولى, خاصة بعد أن قررت تجاوز حالة التردد الإيقاعي مما كان يشرخ بنية قصائدها إيقاعياً في الأقل.

وتعتبر فوزية السندي الآن أبرز شعراء قصيدة النثر في البحرين بعد قاسم حداد الذي شق هذا الطريق فنياً. وبذلك يمثل كلا الشاعرين تجاوزاً حقيقياً لملامح هذه التجربة عند إيمان أسيري التي اعتبرناها أول من كتب قصيدة النثر زمنياً من بين شعراء البحرين المعاصرين. ويعفينا تركيز تجربة الشاعرة فوزية السندي على قصيدة النثر من حصر بنيتها الإيقاعية في جدول تفصيلي.

نماذج من شعر فوزية السندي

وطن يزهو في القلب

حبيبي,

ياهذا الزهر الشوكي النابت في قلبي

في ليل يحترف الحزن

وطن يحترف العزف على أجساد الموتى

غبار الهم النازف من جسدي

ياوشماً

محفوراً كإله الخصب على الدم

ياوطني,

هذي الأرض الحبلى العطشى

المحمولة ختماً في ذيل مماليك الوقت

تكاد تسمى وطني

أتحترق الدهشة في هذ الموال المأخوذ بسحر

الكلمات

دفء الجلسات

أتحترق الدهشة

وجه حبيبي حلم لاهث

عشق يجتاز ممرات الوهم المفزع

يبحث عن وقت يثمر نهم الدم,

رب يعطي الشجر الظامئ دفء الغيم,

دفءٍ يمتد ليحتضن العشاق

في وطن جلاد

يغتال حنين الشعراء لصوت الماء.

حبيبي,

صوتي آت من خلف ركام الكون

من وطن يتدحرج في ذاكرة الشمس

في عيني طفل

آت

ليعيد لهذا البحر قداسته

للحب طهارته

ويجلل ملحمة العشاق المنسية تحت عباءات

الكهان

ياوطني,

ياهذا الجرح الممتد من قلبي إلى تيه الحرف يا جسراً رسمته الأيدي

بقيود هرمت

مازالت قيداً لعيون الوطن الضوء

ياوطني,

ياهذا الجرح الممتد من قلبي إلى تيه الحرف ياجسراً رسمته الأيدي بقيود هرمت مازلت قيداً لعيون الوطن الضوء.

وطني,

أحمل حزني قنديلاً في صمت ليالي الغربة

حرفي إزميلاً للرغبة

مازال دمي ينساب ليرم في عينيك وجه حبيبي

والشمس

ينساب ليزهو في قلبي

حبيبي,

أيجئ الضوء المنفي إليك غداً

في ليل يلد الجرم

وطن يحتفل بأعراس النوم

أيجئ الضوء؟!

 

معلقة

تتدلى أمامي بزخارفها وبديعا

معجونة بماء الذهب وحجر الجناس ووتائر الحرير وعاج الفتنة.

منسقة لا تقبل الظنون والتهتكات الشاكة

تسوق أبياتها بعناية مثل قافلة واقفة

والقوافي كبغال تدب دون التفات أو حركة

في شكوكها, للمراعي منبثة

مفصلة على نسق بديع كآنية

وفي عكاظ تؤرجح حرفها كجارية

محظية ولها دلال

أراها تساق هنا وهناك في الخلافة

مغلولة

معلقة ولم تزل.

 

قمر

لاشان لي بحدة استدارته

أو علو بياضه

أو هدوئه الشاهق

أو غطرسة عشاقه

أو غدائر الغيم المنشدة حوله

أشد ما يهتاجني

إنقضاض روحه

وغنائم الفضة من حولي

 

من(هل أرى ماحولي..هل أصف ما حدث)