جعفر الجمري
جريدة الوسط السبت 20 فبراير 2016م الموافق 12 جمادى الأولى 1437هـ
في استئناف تناولات «بورتريهات النصوص»، تحضرنا فوزية السندي، ولا نستحضرها: تلك التي «تؤبِّن المحبة»، وهي منشغلة بامتداداتها. تلك التي ترى «فضيلة للخطأ» الذي لا يحشر صاحبه في مدارات من ندم. الندم في أردأ صوره. جميل أن تندم، والأجمل ألَّا تفعل في كثير من الأحيان.
واحد من الأصوات المُؤسِّسة التي أحدثت نقلات في النص الشعري، ليس ضمن فضاء التجربة البحرينية فحسب؛ بل لتلك النقلات امتدادها إلى المشهد الشعري الخليجي، من دون أن نتورَّط في تصنيفات ذكورته وأنثوته، كما يحلو لكثيرين.
في «تأبين المحبة»، نقف على تلك اللغة الفارقة والسيَّالة، والرؤيا المشدوهة بمدى يتيح للشعر أن يتوغَّل ويتاخم فضاءات يلتحم فيها الحلم بالواقع بالغرابة؛ وحتى بالكوابيس.
«لم نشأ أن نغدو مثقلين بحطام أكثر/ يصب جهاته كلها على أحياء مثلنا/ مترب وثقيل هواء هذا الحب ومنزو/ الغرابة كلها في حصى الممرات الدخيلة/ التي أودعتها على كفي ظلال قلبك/ انتظرت مراراً/ أن تنزَّ الحقول غضبها/ سيّجت رحى البنفسج بعمري كله/ أرديت للورد ضريحاً».
لم تتورّط السندي بذلك التوحُّش في اللغة بإقامتها سدوداً لا مدى للنظر فيها، ولم تُحِط نفسها بمتاريس تغلق فرص التقاط وإمساك القارئ بحصته من الدهشة التي لا يُعاد إنتاجها واستنساخها، وبالتالي لا تدخل ضمن قدرة وطاقة وفعل الدهشة بكل الأثر العميق والجذري الذي يمكن أن تُحدثه؛ حتى في استدراج العادي ليكون مادتها الخام. العادي الذي يظل مهملاً؛ لكن طاقة الشعر تملك قدرتها التي تحيله إلى الحضور الأول والسحْر الأول.
في نصها «فضيلة الخطأ»، لا تقدم درساً أخلاقياً بقدر ما تقدم رؤيتها المُخربة. المُخرِّبة للسائد في النظر إلى الخطأ باعتباره تهديداً للعالم بإطلاق. كثير من الأخطاء عملت على تصحيح العالم. الأهم من كل ذلك، عملت على تصحيح نمطية التفكير والمواقف لدى البشر؛ وخصوصاً أولئك الذي لم يُخفوا هوسهم بالصدارة باسم الإصلاح! رؤية تذهب في نسف تلك النمطية بثقة بالغة.
«أخطأت/ عندما أدركت خطيئتي/ كحصاة في منتصف الطريق لا أصل/ ولا شأن لي بالعودة لأصل/ تحاكم المخيلة الجسورة من يضنيها أكثر/ لتأسره بضلاله دوماً».
ليس بورتريها للنص الشعري الذي عُرفت به فحسب؛ إذا بالحديث عن اللغة التي بدأنا بها هذه الكتابة، لا تتوقف السندي عند نصها الشعري الذي تسهر عليه بحساسية بالغة، إذ لها من قبل ومن بعد رؤيتها العميقة، وتناولها الذي يكشف عن امتلاك لأدوات نقدية لم تتورط أيضاً في المنهجيات التي كثيراً ما تُوصد الأبواب أمام تلقيها؛ بل برؤية وأدوات وحساسية الشاعر تكتب هنا. تكتب عن عديد التجارب الجديدة مشيرة إلى أنها «لا تدرك عمق هذا المنحى وهي تصوغ إطلالتها المعرفية على العالم، لذا نراها تتدافع نحو التجارب التي سبقتها ونالت ألقاب التفخيم، والتعظيم، والتكبير، كعادة العرب في التبجيل، تتسابق المواهب نحوهم من أجل تقييم تجاربها الحديثة، بمعنى منحها صك الاعتراف أو المصداقية الشعرية، بمعنى آخر منحها شهادة النجاة من الخطأ».
ذلك الوعي والتناول النابع من الممارسة والتجربة، يدعها في حِلٍّ من اعتناق تلك المنهجيات المليئة بـ «التضبيب»، والمناورة في كثير من الأحيان.