شعر السندي: نسيج خاص بخيوط من أساليب متعددة


االكاتب/ جورج جحا:
2005 رويترز 25 مارس

يواجه القارىء في “رهينة الالم” مجموعة الشاعرة البحرينية فوزية السندي ما يمكن ان يوصف بانه اسلوب خاص منسوج بخيوط غير باهتة الالوان تذكر بأساليب شعرية مختلفة لكنه مع ذلك يبقى محافظا على شخصيته وتوتره. في قصائد السندي نواجه أجواء من التراث لعل من أبرزها ذلك النفس الخطابي الدائم الحضور الذي تضج موسيقاه مدوية على تنوع حالاتها واختلاف ألوان المشاعر التي تفيض منها.

ومما يلفت النظر اننا نجد ذلك مصوغا في أشكال تعبيرية غير تقليدية تطل حينا ببعض وجوه “الشعر المنثور” السابق لما صار يعرف باسم قصيدة النثر.. وحينا اخر باجواء هذه القصيدة وسماتها. ونجدها في مجالات اخرى تذكر بكتابات مسجعة من النوع الذي لا يطغى عليه التكلف.. لتشكل في مجموع صفاتها شخصية خاصة تطل على رغم تكاملها بملامح فيها غرابة ما يشبه مثلا اجتماع اللونين الاشقر والاسمر او اجتماع العينين الزرقاوين والسوداواين في وجه واحد عندما تتعدد اطلالاته. شخصية شعر فوزية السندي استطاعت صهر هذه السمات المختلفة فلم يبد على قصائدها تناقض يقلل من شانها.. ولم يؤد ذلك الصهر عامة الى اثقال الانساب الشعري او التوتر الدائم عندها على الرغم من “خطابيتها” البارزة وتوجهها “المباشر” في كثير من الحالات.

وقد حملت المجموعة 17 قصيدة معظمها طويل وتوزعت على 147 صفحة من القطع المتوسط في كتاب صدر في صورة مشتركة عن “المؤسسة العربية للدراسات والنشر” وعن “وزارة الاعلام.الثقافة والتراث الوطني” في مملكة البحرين. وحمل الغلاف رسما تشكيليا معبرا للفنان السوري بشار العيسى. والمجموعة هي سادس اصدار شعري لفوزية السندي منذ سنة 1982.

في قصيدة “قسوة السواهي” توتر شعري وموسيقى متتابعة القرع في “شعر حر” غالبا.. مع انها تسهر بجدية على تقطيعه في احيان كثيرة تقطيعا يبدو كأوزان حرة بأسطر متفاوتة الطول.. كما تضمنه بين فترة واخرى ما هو أقرب الى قافية تتردد في كلمتين او اكثر.

الا ان هذه القافية تبدو لنا احيانا كأنهاعمل أقرب الى “التسجيع” في النثر منها الى القافية الشعرية. وهي في نصوصها لا تضيف الى موسيقى الشعر فتلك هدارة قوية النبض اصلا.. ويتراءى لنا أحيانا ان عمل تلك “القوافي” يشبه عمل “مكابح” لطيفة تخفف من دوي واندفاعة بعض قصائد السندي وهي دائما قصائد حافلة بالحزن الذي كثيرا مايكون حزنا لا يمكن كتم دويه طويلا حتى عندما يأتي تعبيرا عن الوحشة والفجيعة.

تبدأ الشاعرة القصيدة بهدوء مشبع بألوان حزن هادئة شاحبة قبل ان تدب “الحماوة” في القصيدة وتقول “وقفنا قليلا .. / ادرنا الهواء فيما بيننا / ثم ابتعدنا / لنداري ما استحل واردانا / كنعشين يعتصمان ببرد الوحشة / ضد بدء خنق استوى لهذا التراب / مشيئة الدرب الاعزل جريرة الازل الاعمى / غاو تفانين العذاب / لماذا كلما رانا نستهل لروع يجابه ارواحنا / راح يسترد هلعة الشغاف.”

تمضي السندي في كلام يغص بالمجازي والرمزي ولايتخلى عن اناقة لفظية حتى الغرابة في بعض المرات.. او عن عراقة تطل كأنها بنت تأثر بوقع كلام قراني تارة.. وعن منحى بلاغي طورا.. فتقول “ذهبنا لمفترق صعب / كل خطو انحى له ممرا غريبا / لندرك فيما بعدنا ان تشظت خطانا / كم اراق ذاك اللقاء القليل قسوة سواهي النظر / كم مسّد كل جفن برجفة رمش اسير سهو ما انتحب / كم سورتنا المساءات بخدوش حزت سرايا الذاكرة / كم تناهبتنا اضرحة الليالي مأسورين بانقاض تتألم / … / كم كنا معا/ كم وحدنا علينا / لا لنا.”
وتنتقل الى القول “يا عاهل القلب يا والي مسرات الالم / امام ضوء شريد يتغادى بك / اتسامى / سافحة جسدي ليتردم من رنيح لاخر / حتى يسندني مديد ظل كفحم الحبر لا يسهو عني.”

في قصيدة “لها” تتحدث عن امراة من نساء الاسى العميق فتقول “لامراة تناهت عنها ) مثقلة بحجر ميت ارتمى بين ضلوع تخسرها / مكتواة من صد تاريخ رماها/ تجرأت على برودة سرها ( لتغمد ذاتها نحو مغاليق عمياء.”

وتختم القصيدة بقولها “لها / لوردة النهر / كبرياء الكتابة / موهبة أضاءت وميض احتضارها /و/ اتقنت / ايلام امراة اعتادت صمت انتحارها / الى حد / يخجل الموت منه / تعجز الحياة عنه / وينحني له الحبر.”

وفي قصية بعنوان هو “اقل من الحجر” تستمر هذه اللوعة وهذه النقمة الجريحة الثائرة فتقول “متعبة / داوني يا مرام الحصى / يا دربا يتبدد امام انغراس خطوي / داوني.. لئلا ابدو / كصارية تتهود امام قصف حبر يسال… / قل لي.. لماذا اصحو/ لصباح لا خير فيه / الكتابة كالنمرة / ملتاعة بموهبة تواتي براعة العضل / بغرور طيش يستحل هبوب المخالب / بطش عنيف ضد من لا يباريه / ومن لايهتال منه.”

وفي قصيدة عنوانها “لصمت البحر انتهر الموت.. لضوء الظل انتحب الحب” تقول السندي “مصباح بعيد تسمر على رصيف اخرس / كغرس حديد لايحترس وهو يوقد فحم حتفه/ لم يتعب وهو يبعث الضوء الشريد خارج جسده / بل تمرمر ليضاهي الاخرين بقدرة وميض خفقه / تناهض الضؤ ببطء شريد / كأنما مدية من الاقاصي تدميه/ انهمر وحيدا.. يستجلي انزياحه الذهيل / منحدر نحو بحر سارح / حليم بحب يتحدر نحو راحة يابسة / تحتضن جموح جسدين / يعتركان ببطء أليم.”