الباحثة ناريمان أسعد
جامعة الكويت
مفتتح
مراراً،
تأسيت من تركة إرث أهدرني،
أسرفت في إشراك صرخات رؤاي،
تفتيت جسدي، لأرتعد بمرايا تتعدد.
ومع ذلك،
لم أنج من كائنات أخرى
أكثر نقاءً من شر أنوثتي.
أمام المنصة،
أستعيد لعنتي الأبدية،
أستعيذ بلغتي الأولى،
أتشبث بشعري الأخير،
أتنفس حصاراً من همسات تراوغني،
وأتلو
ما مسني
فوزية السندي (من قصيدة أسجية تنحز ليل الذاكرة ص110-111)
كنت أحسب أن قراءة الجسد في الشعر أمرا هينا ، لكن الأمر جاء مغايرا لما ظننت ، عجيب هذا الجسد الذي تنازعت حوله الدراسات المختلفة لقد ارتبط الجسد بفلسفة الكون و فلسفة الأشياء المحيطة بنا و اتصل بالنفس و الذاكرة و المكان و الزمان متموضعا في كل هذا آخذا بجانب عظيم فيما اتصل به ، أما الدراسات التي شملته غربية أو إسلامية فقد اتفقت و اختلفت في تصنيفه و علاقته بداخلية الإنسان و محيطه ، فهو ” بالقياس إلى التمثلات الذهنية أداة اصطفاء … فجسمنا – المقصود هنا الجسد البشري – يعين بالمكان الذي يحتله في كل لحظة ضمن الكون”1، و الجسد ” ليس حدودا أو ذرة و إنما عنصر مبهم في مجموعة رمزية ” 2.
إن الاحتفاء بالجسد أو استخدامه كرمز شاع في مجالات الإبداع المختلفة ، و كل احتفاء حمل معنى يختلف عن الآخر لأن الجسد يأخذ معناه ” من خلال نظرة الإنسان الثقافية له ” 3 ، و على هذا فقد حمل الجسد تعريفات مختلفة باختلاف الأزمنة ، و من تعريفاته أنه الجزء المادي للإنسان ” و قطب جذب أسسه الروحية أنه ” حبة الكون ” و جوهره و خليط من العناصر الأربعة التي يتكون منها كل شيء موجود الماء ( الدم و سوائل الجسد) و الأرض (الهيكل العظمي ) و الهواء ( النفخة الحيوية )، و النار ( الحرارة الحيوانية ) ، إن الجسد و الكون يمتزجان شكلا لا يمكن تمييزه ، فالجسد لا يجد أساسه في ذاته “4.
إذن يشكل الجسد جزء متصلا بالكون و جميع الحيوات و المحيطات به فهو فاعل و متفاعل، و كونه أصلا مادة فهو بالضرورة شاغل حيزا من المكان و متصلا بالزمان من حوله، لقد نشأت في طور الدراسات الحديثة عدة محاولات حاولت معرفة العلاقة بين النفس البشرية و الجسد ( البشري) و منها نظرية التفاعل المتبادل interactionsim التي تنص على وجود علاقة بين النفس و الجسم ” فالحالات النفسية و العمليات العقلية تؤدي إلى إحداث تغييرات معينة في الجسم ، و تكون علة لأحداث حالاتنا النفسية و عملياتنا العقلية ” 5، أما نظرية الظاهرة الثانويةepi phenomenalism فتنص على أن الإنسان مؤلف من جسم و عقل و أن ” الجسم هو الأصل و العقل فرع تابع عنه في سلم تطوره “6، و قد طورت عن هذه نظرية الانبثاق emergent theoryحيث أنها تؤكد أن ” العقل الإنساني انبثق أو نشأ عن الجسم في تطوره البيولوجي المعقد “7، و يشير هنا أصحاب النظريتين إلى أنه من الصعب تفسير نشوء حالاتنا النفسية ذات الخصائص اللافيزيائية المرتبطة بفسيولوجية الجسم ، كما وجدت نظرية الموازاة psycho-physical parallelism التي تشبه العلاقة بين الحوادث النفسية و الفسيولوجية ” بنص و ترجمته لنص واحد بلغتين مختلفتين كأن الحوادث النفسية و الفسيولوجية مظهران متوازيان لحقيقة واحدة “8، إذن طورت في الغرب العديد من الدراسات التي تناولت الجسد تاريخيا وصولا إلى العصر الحديث، حيث أخذ الجسد منحى مختلفا عند الغرب في طور الحداثة فقد تمحورت الدراسات حول إيصاله للكمال و تجميله و جعله أكثر فعالية من خلال استبدال بعص عناصره دون إفساده ،لأن الجسد أصبح منعزلا بنفسه عن محيطه، أما من وجهة نظر الإسلام فقد تباينت الآراء حوله حسب الفرق المختلفة و سأخص بالذكر هنا النظرة الصوفية للجسد كونها ربطته ربطا شديدا بالروح و كثر حديثهم عن الجسد الذي ارتبط بالحب عندهم في حين امتلأت كتبهم بالحديث عن الحنين للآخر ( الذات العليا) حيث يهيم الجسد شوقا و تحرقا، و لا يحدث الاكتمال إلا ” عن طريق غياب الجسدين المحمومين و من هنا يبقى الصوفي في حالة سكر دائمة و ارتقاء يصل إلى درجة الغياب ” 9، و الوحدة بين الجسدين تعني الالتقاء و الكمال ، و يرى ابن عربي ان ” نسبة الجسد إلى الروح كنسبة العالم إلى الحق كلاهما متصل بالآخر، الحق متصل بالخلق و الخلق متصل بالحق” كما يرى فيما يتعلق بالجسد و الروح أنه ” لما كان الجسد لفظا و الروح معنى فلا يمكن للجسد أن ينفصل عن الروح و لا يمكن للروح إلا أن تكون موجودة بواسطة الجسد حيث يتشكل الجسد بها و تتشكل به، أي أنه غطاء لجوهرة الروح التي تتلون بتلون الجسد ” 11، و هذا يؤكد ارتباط الروح بالجسد ، الجسد المادة المتعين المتلون بألوان مختلفة و لا أحبذ استباق الحديث ، و لكن أليست القصيدة جسد مرتبط بروح الشاعر ؟ وبهذا يتوحدان ويمتزجان للوصول للكمال.
جاء الحديث عن الجسد في مواضع مختلفة مواضع المتعة البدنية والروحية كما جاء الحديث عنه موضعا للتأثيم والذنب، والحث صريح وواضح في نصح متبعيه بضرورة المحافظة على سلامة الجسد لأنه أساس استمرار البشرية.
لم يكن استخدام الشعر للفظة الجسد أو أعضاء الجسد غريبا في الشعر العربي منذ الجاهلية إلى وقتنا هذا ولكن المعنى المقصود به اختلف ودلالته اختلفت وكل حسب ما يرمي إليه، ويذهب شعراء الحداثة في هذا العصر إلى الاحتفاء بالجسد و تميزه بل وأسطرته مما عزز حسية النصوص في شعر نابض أصلا بالفكر والتجريد ” كما تنشأ بين الشعر والنص علاقة شبقية، يصبح النص لغة الحس، وتطغى صور الجسد عليه، كما تطغى لغة جنسية بإزاء النص، لغة الاختراق، والنشوة ” 12و لكن لماذا “الجسد” تحديدا في هذا الطرح؟ وهل يملك الجسد تلك القدرة على مواجهة العالم؟ هل يصل الشاعر لمرحلة يتصل فيه الجوهر بالمظهر، الروح والجسد، الفكر والجسد هذا الذي يجعل الشاعر يهيم مع نفسه متحديا الكون من حوله بامتداداته وتداعياته؟ يذهب كمال ابو ديب إلى أن اتخاذ هذا الطرح ” تركيز مهووس على الجسد لأنه أكثر شيء استغراقا في فرديته، واقتصارا على الحميم والخاص، وإشعاعا بالفردي المادي المتعين ” 13، ويستند بفكرته هذه على انحسار الهالة التجريدية عن الجسد التي اسبغتها عليه دراسات العصور الماضية والنظرة الحديثة للجسد حيث أن بعضها تؤسس إلى أن الجسد انفصل عن العالم ولم تصبح له تلك الهالة والقدسية التي اعتداد على ارتدائها.
و من هنا فإن تيار نقدي كتيار النسوية يذهب إلى أن الاحتفاء بالجسد من أهم المحاور التي يجب أن تهتم بها المبدعات، وأن النظرة لأجسادهن يجب أن تكون من منظور الفوقية لأن الجسد مصدر للتميز ، و يصدر هذا التوجه معارضة للفكر الحضاري السائد في العالم و مخالفة لغالبية الدراسات الفلسفية التي تنظر للمرأة نظرة دونية في ظل المجتمعات الذكورية ، و على هذا تكتب هيلين سيكسوس ( نبية الحركة النسوية ) في بيان شهير عن النسوية تدعو فيه النساء أن يضعن أجسادهن فيما يكتبنه فتقول ” اكتبي نفسك، يجب أن تسمعي صوت جسدك، فذلك وحده هو الذي يفجر المصادر الهائلة للاشعور” 14.
الأنوثة والذكورة
ما أكثر ما قيل عن الذكورة والأنوثة وما أكثر المهاجمين للأنوثة وقد أتيحت لي الفرصة للاطلاع على عدد جيد من المراجع التي تحمل التوجه الجديد في محاولة لإعادة صياغة الحضارة بلغة جديدة تكون فيها المرأة أو الأنوثة كما يقال عنصرا فاعلا لا متلقيا، المطلوب أن نعيد النظر في الأشياء ونعيد ترتيبها محاولين إزالة أحافير ثقافة الذكورة أن تخرج المرأة من مكانة التابعsubordination واستصغار شأنها disparagement وإحلالها في الموضع المناسب لها ليس بالنظر إلى الجنس genderو لكن بما تحمله من إمكانات وقدرات.
على أن اللافت للنظر في هذه الدراسات نظرة الصوفية للأنثى متجاوزة بفكرها جميع الفرق الأخرى ،فقد ذهبوا في توقير المرأة و احترامها مذهبا غريبا و صفوا فيه الذات الإلهية بالتأنيث و ذكروا التوحيد ،و على هذا تم في نظرهم تقديس الأنوثة يقول ابن عربي ” إن الله نهانا أن نتفكر في ذات الله و ما منعنا من الكلام في التوحيد ، و هذا يعني قدسية الذات المؤنثة التي لا يجوز أن يطالها الفكر ، و عدم قدسية التوحيد المذكر و إباحته بالتالي للكلام ” 15 بل و يذهب في شطحاته إلى أبعد من ذلك فيقول ” كن على أي مذهب شئت فإنك لن تجد إلا التأنيث يتقدم حتى عند أصحاب العلة الذين جعلوا الحق علة في وجود العالم و العلة مؤنثة و إن شئت قلت القدرة فالقدرة أيضا مؤنثة “16.
الحديث عن الأنوثة و الذكورة حديث عن ثنائيات ملأت كتب الفلسفة و الثقافات على اختلافها ففي الحضارة الصينية جاءت الثنائية تحت مسمى ( الين و اليانج ) ، الين السلبي كل ما هو مؤنث و اليانج الإيجابي كل ما هو مذكر وعنهما ينشأ العالم ،أما في الفلسفة الإغريقية فكانت ( الأيروس و اللوجوس) الأيروس ( المؤنث – العشق) و اللوجس ( المذكر- العقل) هذا التأثير امتد للدراسات الحديثة -فأثرت على فرويد و شوبنهور و كارل يونج و غيرهم كثير في الغرب و الشرق على السواء- فأصبح الأيروس ( مبدأ الترابطية relatedness الأنثوي ) و اللوجس( مبدأ الاهتمام الموضوعي الذكوري ) . نموذج يونج كان الأنيماanima – ( العنصر المؤنث) و الأنيموس animus العنصر المذكر 17و تحت لواء هذه الأفكار أسندت للذكورة صفات التفكير و الاهتمام الموضوعي و التحليل و الانضباط و كل ما هو إيجابي و بناء في حين كان الاتقاد و الشعور و اللاانضباطية و الشمولية للأنوثة على اعتبار أن هذه صفات السلبية !! و بهذا تكون معادلة الأنوثة ( المرأة = الجسد=الوعاء= العالم ) ، ولسنا هنا بصدد البحث في هذه الثنائية من حيث الصحة و الاعتلال و لكننا بصدد ما أفرزته هذه الثنائية من رواسخ و أصول و حفريات تأصلت و ترسخت و تجذرت على مدى العصور في الثقافة و الحضارة العالمية باستثناء نماذج ( كقبائل محددة في إفريقية- الحضارة المصرية –الحضارة السومرية ….)18، هذه الثنائية أفرزت النظرة الفوقية الذكورية والدونية التي لازمت الأنوثة و ساعدت على التهميش و التغييب المتعمد و المجحف بحق المرأة لتكون بذلك إنسانا من الدرجة الثانية أو أقل !! كل هذا عمق في المرأة الشعور بالقهر و الظلم و الاستبداد، و يتعالى و يتضخم هذا الشعور عند المرأة المبدعة التي تتفاعل مع العالم و تستشعر شراسته حولها مما يفجرها بتجسيد حيوي و فاعل للنص الذي يتماهي من شعورها العنيف بضغط الحياة و قساوة الكون في محاولة لخلخلة مفاهيم الحضارة و إعادة تشكيل العالم من منظور أنثوي ، و قد جاء التعبير عن الهموم التي حملتها المرأة و القضايا التي اتصلت بها ضمن خمسة محاور: الايديولوجيا –الخطاب – البيولوجيا – التجربة – اللاوعي ، و كل هذه المحاور تم التركيز عليها ضمن دراسات النقد النسوي و ما بعد النسوية ، و لا أستطيع أن أزعم أن فوزية السندي قد تأثرت بالحركة النسوية و لكني أستطيع القول أن المحاور التي دارت حولها الدراسات النسوية تمس كل إمرأة على المستوى العالمي ،و قدرة استشعار هذه القضايا و المحاور تتصاعد عند المشتغلات بالثقافة و كل ما يتصل بالإبداع ،و بما أن صفة اللاإنضباطية و الشعور قد أسندت للمرأة كان على المرأة المبدعة أن تحركها فيما يخص قضاياها و يعبر عن ذاتها المنسحبة على النساء قاطبة ،و قد جاء هذا التعبير على طرق مختلفة و بتعبيرات متغايرة حسب رؤية كل مبدعة و على سجايا متباينة. وربما كانت ظاهرة استخدام الجسد والاستعانة به بل وانتشار استخدامه في الأدب الموسوم بالحداثة والأدب النسوي خاصة من أكثر الظواهر إثارة للاهتمام، وانطلاقا من هذه الظاهرة ستحاول هذه الدراسة فهم خطاب الجسد الذي ركزت الذات على طرحه وعلى هذا وستتمحور هذا الدراسة حول ثلاثة محاور:
1- الجسد الأم
2- الجسد والآخر
3- الجسد وتجليات الذات
وصل استخدام لفظة الجسد في ديوان رهينة الألم لفوزية السندي في حال اتصاله بضمير المتكلم والغيبة والتنكير والتعريف والجمع والتثنية للفظة ووجدت أن مجموع تكرار اللفظة وصل إلى سبع وستين مرة في قصائد الديوان.
جسدي | جسده/جسدها | جسد/الجسد | أجساد-جسدين | مجموع لفظة الجسد |
19 | 9 | 37 | 12 | 67 |
1
لم تحظ الذات فيما اطلعت عليه من دراسة جادة إلا فيما ندر، على أن نظرة عامة في إنجازاتها الإبداعية تحتاج إلى وقفة تأمل و دراسة من نواح عدة ، و قد أصدرت من سنة 1984 إلى آخر ديوان لها 2005 ستة دواوين ، و تصدر الذات في إنتاجها من منظور معين و من هم جمعي تحمله محاولة مقاومة العالم بمفاسده المختلفة من حولها ، و يتنازع الذات في ديوان رهينة الألم نوعين من الأزمات: العالم و شراسته من حولها في محاولة لرفضه بكل أشكاله و تداعياته، و إشكالية الأنوثة و ما يستتبعها بالضرورة من أفكار و عادات و تقاليد راسخة و مغروسة في المجتمع أحاطت بها و قوضتها، و يمتزج لديها الإحساس بالتأزم بعملية التخلق الإبداعي كونه المصدر الأعظم بالنسبة لها للتفريغ و الخلاص، و قد تشكل وعيها بالاختلاف منذ الطفولة مما عزز لديها إحساسا قويا و عنيفا تكشف عنه القصائد التي كتبتها تحت ضغط ذكريات الطفولة و الصبا .
1- الجسد الأم
تركزت الرؤية للجسد الأم في نص أهدته الذات المبدعة لأمها ” يا لك يا أمي حتى تحت التراب تحترفين عنف الحب كأنك قلب الجنة”19 هذا النص حمل عنوان الديوان ذاته ” رهينة الألم ” ويظهر من الإهداء و عنوان النص نوعية الخطاب الذي تود الذات توجيهه فالأم صانعة فن الحب ، هذا الحب الصادق الذي لا يحمل مصلحة من أي نوع، و هي لا تحمله و لا تصنعه و تقدمه فحسب بل تحترفه و كأن صنعتها الأولى و الأخيرة الحب الذي يطهر العالم و ينقذه من فساده، و لا يتوقف هذا الحب بانتهاء الحياة بل يمتد عطاءه و أثره من تحت التراب، لأن انتهاء الحياة لا يمنع و لا يوقف تدفق هذا الحب . لهذا منحت الأم بما تحمله من المشاعر الطاهرة والجياشة القدرة على التدفق في أي زمان ومكان في جميع حالاتها لتلتقي بهذا مع الأم الأسطورة، الأم الكبرى سيدة الحكمة والسحر والغيبوبة والجنون، سيدة الموت والشفاء، سيدة الوقت والأقدار 20، الأم التي لا تحدها الحدود ولا تمنعها الموانع.
الأم التي تحدث عنها النص حملت تأريخا لحياتها و معانتها من الحياة و سطوة العادات و التقاليد و قسوة المرض الذي رضخت له ،حملت دفقات شعورية عنيفة مليئة باجتراح الألم الذي أبقاها رهينة له في حياتها ،و أبقت الذات رهينة له بعد مماتها، و من ثم فالشعور بالألم المتأصل في النفس هو الذي ساد أجواء النص و جاء للتعريف عن نوعية الرهن الذي شمل الأم و الذات معا لأنهما وجهان لعملة واحدة ( الأنثى) هذا الرهن غلف كل من جسد الأم و الذات جوهرا و مظهرا في أسلوب سردي محكم مليء بالصور الحسية التي جسدت قصة هذه الأم ،و ساعدت على تلقيم المتلقي الخطاب الذي تمحور حوله النص.
من غيرها..
امرأة وهبت جنون الحياة ملاذا رحيما
أباح لخلوة الرحم دفئا يستنهض طفولة عمياء
لتتقد ببراعم تتعالى كسنابل تلهج بحرية الريح.
كالوردة أنهت عمرها قليلا وقتيلا
لم تأسف لرواحه ولا لغلبة الشوك فيه
لكنها راحت كل غصن تتورد بحمرة الشفق
لتغدق نهر الحنان كقلب وفي وعتي في آن.
شمعة لم تأبه لظلام يطغى ولا لعنف يحتد
بل تتأهب لمعترك يقدح جمر الأضلاع
كل حضن يشعل بئر الحب
ولا يرى غير ماء التراب.21
المصدر الأوحد الذي استطاع أن يدفع بالحياة إلى الأمام و أن يغرس الحب في كل خطوة و حركة تصدر ” الأم” فمن غيرها يقدر على ذلك ، من يقدر على زرع براعم الأمل التي تقاوم الظلام و البؤس و تلهج بلحن الحرية ،الحرية التي تسري كالريح تمر على جميع من يسكن الأماكن التي تمر بها و لا يسلم من أثرها أي حيز و أي مكان ، الأثر الذي سيغير وجه العالم مع مرور الزمن ، و سيكون له الأثر في تعرية معالم هذه الأماكن و نحتها كما تعري الريح الأرض ، هذا الأثر الذي سيظهر على العالم من حولنا و ينحته و يغيره و يعريه إن طال الزمان و إن قصر ، ولا تبالي الأم بما يصيبها من أثر الشوك – و تعني به القهر الذي تتعرض له من عادات و تقاليد- مع غلبته و سطوته على جميع ما يحيط بها لأن هدفها يسمو فوق هذا ، ولا تأسف الأم على ضياع العمر و لا تحسب له، إذن لا يشكل الزمن مصدر قلق للأم و لا يشكل فعل القتل رادعا لها لأنها لا تبالي بكل هذا و ستظل على الدوام الربيع الذي يشرق في هذه الحياة ، و حنانها سيظل النهر المتدفق الذي لن يركد أبدا و سيزيح من أمامه كل معوق يحاول وقف التغيير ، و تواجه الأم كل هذا مع أن ما تراه لا يتعدى أثر الأمل ( ماء التراب) ، ولننظر إلى الصور التي وصفت بها الذات الأم ( كالوردة –تتورد بحمرة الشفق – لتغدق نهر الحنان – شمعة لم تأبه لظلام ) كل عناصر الطبية تتظافر معها لأنها أصل الحياة و الكون و عنها تصدر جميع المخلوقات، و كل حضن تمنحه أطفالها و تغمرهم به يشعل بئر الحب الذي لا ينضب، هذا البئر الذي لا يتوقف ، الأم كالماء أساس الحياة و بدونها لا تستمر و بجفاف الماء تنتهي الحياة و هكذا الأم نهر ماء متدفق و بئر يروي عطشى الحنان و هي بكل هذا لا ترى إلا أثر الأمل ، و تكون الأم بهذا معادلة ( الأم= الماء = العطاء الأبدي = الحياة ) في مقابل ما تتلقاه ( الأم/ العمر الضائع/ القتل / أثر الأمل) تمنح الأم كل شيء في حين لا تتلقى في المقابل إلا القتل و العنف ، ينير جسد الأم ما حولها و يستعذب العطاء و يمنح الحياة أما ما يحيط بهذا الجسد فإنه يمعن في قهرها و قتلها و تعذيبها، و هي الوحيدة القادرة على المواجهة لأن رسالتها تسمو على أي شيء يحيط بها و تكون بهذا صاحبة القوة و القدرة و الاستطاعة
كانت ولم تزل،
ترتمي لبيت مأهول،
بغرف تتعدد وأسقف تتصاعد
جدران تتعالى وباب واحد موصد على الدوام
محاطة بتسعة أجنة ترتعش حال الريش،
أطفال يتدافعون لغمر الحضن
لامرأة مزدهاة بقلب لا يندم،
برحم واحد يستبسل
وسيد واحد يستبد. 22
تطرح الذات في الأبيات السابقة طبيعة المعيشة التي حظيت بها الأم ، فكانت الجسد الذي يخدم البيت ، وتتعدد صفات هذا البيت في إشارة لطبيعة ساكني هذا البيت فالوصف و إن كان للجماد إلا أنه يجسد في الحقيقة طبيعة الحياة و التكوين الاجتماعي في هذا البيت ، الأم في مواجهة كبر حجم الأسرة الذي يزيد عاما بعد عام، و نفهم هذا من تضخم حجم البيت ، فالغرف تتعدد و الأسقف تتصاعد ، و أطفالها تسعة ، وهي تتحمل من أجلهم العناية بكل ما يحيط بها من أجلهم حيث محيطها واحد وهو الحيز الذي يقع فيه البيت أما الباب فهو موصد على الدوام في إشارة إلى أن مملكة الأم تدور في هذه الدائرة و أما خارج هذه الدائرة فهو محرم عليها، و هي بهذا تكشف عن طبيعة الحياة التي عاشتها أمهات الماضي وعن الأدوار التي رسمت لهن و قررت من أجلهن ، فلا يعشن إلا في دائرة الخدمة في البيت و الإنجاب و إطاعة السيد الذي أسندت إليه صفة الاستبداد ،لأن المرأة لا رأي لها و لأن الناموس الذي تسير عليه في حياتها رسم لها من قبل هذا السيد ،و السيد هنا الذكر الزوج مع امتداد صفة الاستبداد الذكوري إلى الأب و الأخ أو لأي ذكر محرم من أقاربها ، و لا خيار لها في هذه الحياة فقد رسم لها الدور المثالي و طبقت عليها فرائض العادات و التقاليد و على هذا لزم عليها أن تكون المطيع و الحمل الوديع فلا يسمع لها صوت أو احتجاج ، حياتها دائرة لا تتعداها و لا تتجاوزها ، فالحدود مرسومة و الخطوط واضحة ولا ملجأ لها سوى ذاتها .
هكذا كالحياة،
مترعة بالخلق تنهض كل نهار
سيدة الحكمة، راعية العصافير
رهينة الألم، كسيرة الكوابيس
واهية القلب، واهبة المسرات
مليكة العطايا، ملاك اليد
ملهاة تستدير لترى الجحيم خلف مرآتها
يسأل جسدها الصريع: من غيرك؟23
يشير الاستفهام الذي قصد منه التقرير هنا إلى أسطرة الأم و التقائها في كثير من الأوجه بالأم الكبرى التي كانت لغز العالم المحير في العصور الغابرة ، فالأم كالحياة مصدر الخيال و فيض الوجود ، وقد جاء التكرار في صيغة التركيب النحوي( مضاف+ مضاف إليه) واضحا لتعريف طبيعة الأم و للتأكيد على أسطرة دورها في هذا العالم فهي كالحياة، و عندما تطالع ذاتها في المرآة فإنها لا ترى خلفها إلا الجحيم ، وقد جاءت كلمة الجحيم هنا إمعانا في وصف طبيعة العالم الذي يحيط بها و طبيعة الأشياء التي تنتظرها و ما من شيء أقسى و أشد إيلاما و تعذيبا إلا الجحيم ، حتى أن كلمة جهنم لن تحمل ذات المعنى الذي حملته لفظة الجحيم لأنه المصير الذي ينتظر العتاة الخطائين من البشر ، فأي كائن هذا الذي يعاني في حياته كل هذا و أي وجع و ألم هذا من العيش في الجحيم المقدع ،وهي في الوقت ذاته و تحت وطأة الجحيم تهب كل هذا العطاء و تمنح الإشراق و الأمل ، يا لها من أم!
كل وقت عصي على القلب
كانت، وحيدة تغلب حتم الموت
لتغدو وريثة الألم منهالة بمجد البأس
كما المليكة، كحياتها المؤجلة كل قصر قاس
امرأة مرهونة لجسد لها وعليها في آن.
هكذا:
كلما اعتصر القتل خلايا دمها بالغت في هدايا يديها
كلما انتهر الألم بنفوذ الحراب هيكل جسدها
غمرت رفقة العمر بهبات لا تتأخر
امرأة اشتغلت على بسالة موتها
ضد رئة تتكسر على مهل
وقلب يتلاشى – بطيئا- بفقد النبض .24
لقد قاست الأم مرض ذات الرئة، وكانت تعلم بذلك ولكي تكون حياتها امتدادا لألم كان العالم بأسره يلقمها إياه ويمعن في تعذيبا فلا يكفيها ما تعيشه وترضح له ولا يكفيها البؤس والشقاء والتدميم الذي تتجرعه ولا الألم النفسي القاتل الذي يعتريها بل يجب عليها أن تتعرض للألم الذي ينخر الجسد ويهد القوى ويسلبها الروح، هذه المرأة هي ذاتها التي ستعاني وحدها وتتجرع عذاب الجسد، وهل تتوقف تحت وطأة العذاب النفسي والجسدي عن العطاء؟ كلا إنها تمعن في العطاء والبذل وكلما زادها العالم شراسة وإيلاما زادت هي بذلا وعطاء، عرض هذا كله بصورة سردية مقترنا بصور حسية وألفاظ ذات طاقات تعبيرية موحية صبغت بمشاعر تملؤها دفقات الوجدان والعاطفة المؤججة وتشربت بالاحتراق والوجع.
هكذا أوان الفجر تستغيث بقداسة الإله
وترسل الصلاة تلو الصلاة
راكعة بعينين ساهمتين
نحو سجادة تستطيل لتستغفر عبء العذاب
وتذيب حنان المغفرة لحياة رغم حديدها.. لا تلام
ليبرأ هذا الجسد من أنين لا يقوى عليه الجحيم
من هول براكين تستعر، وحمم تتحدى..
كل وريد، كل عضل يستجدي رأفة القلب .25
جاءت اللحظة الحاسمة وقاومت الأم العذاب على اختلاف اشكاله وألوانه ولكن لا بد من الخلاص ولا بد لها من الراحة فالحمل ثقيل والألم عنيف، وتتصاعد نبرات الإيمان والاستجداء بالخالق الإله لأنه الملاذ الوحيد والقادر على تخليصها مما تعانيه، زاد الأمر عليها والنهاية محتومة وواضحة ولكن متى الخلاص؟ ويظهر الطهر والعفاف والروحانية ولحظات اليأس التي وصلت إليها الأم لتطلب الرحمة التي اقترنت بالموت لتزيح عنها كل ما تعانيه. كثفت الذات الأفعال في هذه الأبيات لأن الأفعال توحي بفاعلية الحركة وتظهر سرعة الإيقاع الذي يتم به هذا المشهد لتنقلنا الذات بين الحالات الفاعلة والنفسية في الوقت ذاته، أما الفراغ الذي وجد في الأبيات فجاء على ما يبدو مظهرا عدم استطاعة اللغة التعبير عن مقدار الألم الذي يعتري جسد الأم، ويبدو أن الألم أخذ من جسد الأم مأخذه، فهي تئن تحت وطأة عذاب الجحيم، وجاءت الألفاظ (براكين – حمم- جحيم) إمعانا في تصوير مدى العذاب على نوعيه النفسي والمادي منطلقا من الداخل إلى الخارج.
آن الغسل انهال جسدها لحسرة ماء ضمد الأعضاء
مشمولة بعطف كفن اهتال من وطأة ذاكرة لا تكف عنها
آخر الذهاب، 26
حانت لحظة تطهير هذا الجسد لأن أوان الدفن حضر ، و يخضع هذا الجسد لطقوس الطهارة و الغسل في استعدادا لمغادرة هذا العالم ، فقد جاءت هذه الطقوس استكمالا لمسيرة الآخر في تسيير جسد الأم ( من وطأة ذاكرة لا تكف عنها ) فالطقوس لازمتها في حياتها و بعد مماتها و لا حيلة لها في ذلك، و على هذا يكون جسد هذه الأم جسد المرأة العام منطلقا من منظور خاص و تجربة ذاتية منسحبا على المجموع من النساء اللائي خضن ذات التجربة، و يتعرض هذا الجسد لشتى أنواع القهر و العذاب النفسي و المادي في جميع التجارب التي يخوضها الجسد فلا انفصال هنا بين الداخل النفسي و المظهر الخارجي المتمثل بالجسد ، الصور التي رسمتها الذات صورا جسدت معاناة هذا الجسد يعزز فاعليتها لغة كثيفة من الجذور المختلفة و الاشتقاقات الممتدة في جسد النص مشبعة بفاعلية الشعور العنيف بقسوة و سطوة الألم كل هذا جاء في حبكة سردية متلاحمة رسخت الخطاب المطروح في هذا السياق .
2- الجسد والآخر
الجسد تموضع تحدد به هوية الإنسان و بدونه لن يكون للإنسان وجه ، و لن يكون ما هو عليه ، و الحياة اختزال مستمر للعالم في جسده عبر الرمز الذي يجسده ، لقد جاء صوت جسد الذات محاربا عنيفا على عدة جبهات و رافضا لأشكال عديدة من الحياة، و كأن الجسد النفس و الجسد المادة و الجسد الذاكرة شكل للجبهة التي تتمرد بها الذات على كل العالم من حوله منطلقا من دائرة و موسعا إياها في دوائر أكبر ، و الانطلاق يكون من الذات لينسحب على المجتمع و ما يرزح تحته من ضغط العادات و التقاليد التي تبرر الانتهاك غير المبرر من استخدام القيد و السلطة و صولا إلى الوطن الذي يتمرغ تحت وطأة الفساد السياسي و السلطوي الذي يسلبه أسس السلامة و الأمان و التي يعاني منها ساكنيه و يتوجع منها من أبنائه من يحملون بنى الإصلاح و الإعمار الحقيقي لكل ما و من يشغل هذا الوطن ، ويصل في النهاية إلى العالم بأسره الذي شكل الثقافة و الحضارة بمفهومها العام و الخاص و الذي أدي إلى تشظي هذا الجسد و تعذيبه و الإسراف في إيلامه و جرحه و من ثم دخوله في مرحلة التحول الذي نشهده في جسد الذات من المقاومة العنيفة و الثورة على كل ما يحيط بها ، و يبدو أن الذات أسرفت في تعذيب الجسد بالانفجار النفسي الذي يتصاعد بتكرار النزح الذي تدعمه و تغذيه الذاكرة من جهة و الواقع المعيش من جهة أخرى وصولا إلى الأمل في التغيير و التحول الذي تنشده الذات ، و لذا كان على هذا الجسد أن يكون الحيز الوحيد الذي تثق به و بقدرته لتقديمه قربانا للماضي و الحاضر و المستقبل.
مراراً،
تأسيت من تركة إرث أهدرني،
أسرفت في إشراك صرخات رؤاي،
تفتيت جسدي، لأرتعد بمرايا تتعدد.
ومع ذلك،
لم أنجو من كائنات أخرى
أكثر رعباً من شر أنوثتي 27
لقد كان للإرث الذي ترضخ له الذات كبير الأثر في إهدار الجسد بل و إلى تفتيته و تشظيه ، و تمعن الكائنات من حولها على اختلاف طبيعتها في ممارسة ضغطها عليه ، لتنزلق الذات في مهاوي الخوف بل الرعب النفسي الذي تعيشه، و تتفجر هذه المشاعر لأن الإرث الثقافي من حولها يعيد تذكيرها به و بسطوته و أثرة العميق و المتجذر في كل الكائنات المحيطة بها ، و يركز خطاب الذات على نظرة المجتمع منسحبا على نظرة العالم من حولها على التمييز ضد الأنوثة ، و الإمعان في التحقير و التصغير من شأنها لتغدو بذلك أشد الكائنات قدرة على غرس الرعب النفسي في جسد الذات ، و لتغدو الكائنات أكثر رحمة من الأنوثة الموسومة بها الذات ، و يعزز هذا إضافة الأسماء لياء المتكلم التي انطلقت من إحساس الذات بخصوصية هذا الخطاب و كونه ينطوي على التحيز ضد الأنثى ، إن الإحساس بخصوصية المعاناة ينسحب ليشمل التحيز و التغييب العام ضد الأنوثة.
– أمام المنصة،
أستعيد لعنتي الأبدية،
أستعيذ بلغتي الأولى،
أتشبث بشعري الأخير،
أتنفس حصارا من همسات تراوغني،
و. أتلو
ما مسني 28
تمتلك الذات أدوات تعينها على المدافعة عن نفسها ضد المحاكمة التي يعقدها لها المجتمع من حولها ، فاللعنة التي وصمتها هي الأنوثة ، و كونها أنثى تستتبع بالضرورة أن تكون في دائرة الاتهام لأن النفس و الجسد اللذان تحملانها هما كليهما تركة التأثيم و الذنب الأعظم الذي أثقل كاهل الأنثى منذ بدء الخليقة مرورا بكل الذكور الذين خلفوه ، و هي بذلك الإثم الأكبر عند معظم الحضارات و الثقافات ، و تقف الذات موقف الند من كل هذا فتستعين بأدواتها التي تستعيذ بها ، و هي لغتها و شعرها و ملكتها الإبداعية حيث ستكون بدعمها أكثر قدرة و عظمة على ردع هذه الاتهامات و تفنيدها ، و لتقف هي أما هذه المحكمة واثقة تمام الثقة بذاتها لأنها ستتمكن من تلاوة آهات الألم و توجعاته التي مرت بها و ستفضح ما مسها من العذاب . يتركز هنا أيضا استخدام الإضافة إلى ياء المتكلم ، لوعي الذات بخصوصية الاتهامات التي توجه لها كونها ذاتا أنثى ، و من ثم فإنها ” تمس ” و المس بمعناه المتعارف عليه قد يصيب الإنسان بنوبات من الانفجار و الغضب الهستيري الذي قد يدمر الأشياء من حوله ، و هذا ما تصبو إليه الذات ، هدم جميع المعتقدات و الأفكار البالية التي تحيط بها و تدفعها دفعا مبينا و جائرا على الدوام حابسة إياها في قمقم الاتهام، و واضعة إياها موضع المدان منذ الأزل ، و تتفجر من الأبيات نوبات من الهلع و الخوف و الرعب الذي تعيشه الذات لأنها لا تعايش العالم من حولها فحسب بل تتنفس الهمسات ، ” و الصورة ” أتنفس حصارا من همسات تراوغني ” توحي بتغلغل هذه الاتهامات التي تطعنها فهي لا تواجه بها صراحة بل يهمس بها الآخرون ، من حولها ، و الهمسات تراوغ جاهزة للانقضاض التام كالوحش الذي يحمل في داخله صفات الخبث و الدهاء و الدموية استعدادا للفتك بفريسته.
في البيت،
أمحو تذكاراتهم المنسية
أغير الغبار الذي تراكم منذ هبوبهم
بغبار آخر لي،
يعرفني ويحنو كرمال على وعر رماحي
أطيع المصابيح فلا أشهر توترها الدائم
أكتفي ببكاء لهيب يجرح شمعة صغيرة لي
أمام الورق أتعرى رنين أصابع تغالب فضاءات تحتد بي،
في البيت،
أبدو وحدي..
أحاكم قيدي .29
يبدو أن الإحساس بفرادة الذات و تميزها يدفعها للعزلة عن العالم الخارجي ، و تحصر الذات نفسها في مملكة بيتها الذي تملك فيه السلطة الكاملة لتشكل في داخله العالم الذي تحلم به و تصبو إليه و لا تتوانى لحظة عن الاحتراق من أجله ، فها هي تمحو من داخل منزلها ” تذكاراتهم المنسية ” و وصفت التذكارات القديمة البالية بالمنسية لأنها تدعو إلى مسح الموروث بأكمله من الذاكرة الإنسانية و العالم من حولها ، فيتغير بذلك كل شيء ” تذكاراتهم – المنسية – الغبار” كل هذا يوحي بأن الموروث بال بالنسبة لها و من ثم فإن الواجب في المرحلة الحاضرة والقادمة من الحياة و الحضارة بأسرها تغييره بل و شطبه من الذاكرة فهو منسي بالنسبة لها ، و تسرد لنا طريقتها في توجيه هذا الخطاب بصورة بالغة التعبير و الإيحاء لتصل في نهاية المطاف إلى أن تكون القاضي و لتقلب الأدوار فمن متهم يحتاج إلى أدوات الدفاع و من قمقم السجن و الظلم إلى فضاء العدالة لتصبح هي ذاتها القاضي الذي سيحاكم هذا القيد ،قيد السلطة و الانتهاك و الأفكار البالية ، أما استخدامها للفظة القيد فجاء للتدليل على قسوة المجتمع المفرطة، و تستحضر الذات زمنها الخاص فهو زمن غير الزمن و واقع غير الواقع لأنها القاضية و الحاكمة و لأن الآخر هو المتهم الذي يحتاج للدفاع….
3-الجسد وتجليات الذات
الجسد طاقة تعبيرية موحية وجدت الذات فيها نفسها بوصفها رمزا و ثقافة و أرضا ، و بوصفه كونا و لغة و نصا و عالما و جاء هذا الجسد مرتكزا أساسيا للوعي بالذات و على هذا منحت الذات الجسد ثقتها الكاملة فكان الجسد الأنا و الجسد الكون ،و على هذا جاءت علاقته بالنص علاقة توهج و حيرة و جدل في صورة تبادلية ، و يندمج بل و يتوحد الجسد بالنص ليتكشف عن هذا الاندماج و التوحد إحساس باللذة تدفعه لدرجة من الارتقاء و الغياب عن الواقع ، يتحرك من مادية العالم و حيزه الفيزيقي إلى الروح و يدخل في ثنائية دائمة الحركة و التفاعل ،لأن القيمة الحقيقية للجسد تسمو على المادية و يعول هذا على الأسس المعرفية و الثقافية العميقة و الملحوظة حيث تدخل الذات حالة من التوحد مع النص، و عليه يكون فضاء الجسد هو روح التمرد التي تسكن هذا الجسد و بقراءته نقرأ طقوس الاحتفاء به بصورة مفرطة الجسد الروح المرتبط بعملية التخلق الإبداعي الذي تفرغ فيه الذات إحساسها بالكون بأسره و رؤية الذات بحركة الجسد المحتشدة بالفاعلية تضغط و بشدة على النصوص فتكون الذات في مواجهة العالم مندمجة و متوحدة مع الإبداع و فعل الكتابة الذي رمزت له بالحبر ” أمتني أوان الرجم يا حضرة الحب” عنوان نص لها في الديوان ، العالم من حولها يطبق عليها حدا و هي تقبل به لا رغبة به بل لتيار ساد محيطها .
الحب قيمة مقدسة عند الذات وهي تحتفي به احتفاء شديدا.
صحبة الحياة:
انتحار ما،
أقواه حضرة الحبر
وأقله هبوط النبض .30
الحياة في نظرها صحبة لأنها تصاحب الذات منذ بدء التخلق ولكن هذه الصحبة تعني الانتحار، فلماذا تصر الذات على هذه الصحبة وتلح عليها؟ إن الانتحار يعني ” حضرة الحبر (الحب- الحبر)” لأن الحبر مغروس في الجسد ويسري في العروق دما ينعشها ومقابلا لهبوط النبض وانتهاء الحياة الذي لا معنى له في مقابل المعاناة التي تنتهي بالانتحار. الانتحار خيار نقوم به ونرتضيه ونؤمن به ضمن خيارات أخرى متاحة للإنسان ورغباته، ولكن للذات رغبة جامعة للانتحار بحب حضرة الحب الذي عشقته وتوحدت معه في لذة وألم في الوقت ذاته، على خلاف الموت الذي لا خيار لنا به فيختار ويصطفي ما شاء وليس لنا يد في ذلك (الحياة -انتحار – حضرة – الحب) حملت صوت الحاء المهموس الذي يدل على الانغماس بالشعور بأصالة هذا الحب وعنفه
الحب ليس ما يحترب،
نحو قلب خجول يقده الذبح
لكنه رعشة مريرة،
طيلة العمر تحصي فعلة النحر.31
تنتشر الكلمات التي توحي بقسوة و مرارة الألم الذي تعانيه الذات، و الواضح أنها تمعن بالاهتمام بالاشتقاقات و البنى الصرفية المتنوعة و المختلفة محملة إياها طاقات إيحائية و دلالات متنوعة تتوزع على امتداد نصوص الديوان مما يدل على وعيها العميق بقدرة اللغة على تفريغ الشحنات النفسية التي تعانيها من جهة والإرث الفكري وإرهاب الموروث من جهة أخرى أما التعبير عن الحب فيأتي في غمرة الاستغراق بدفقات الشعور المخيف بالألم دالا على تشبث الذات بفعل الحب الذي جمع بينها و بين فعل الكتابة و الذي رمزت له بالحبر ، في حين أن العالم من حولها يمارس فعل الذبح بل النحر الذي يحز و يؤلم ،و يبدو أن شراسة العالم من حولها فجرت فيها طاقات الثورة و الغضب فعندما يمارس ضدها فعل الذبح بكل ما تعنيه اللفظة من وحشية و همجية يزيدها هذا اتقادا و توهجا في رد فعل يقاوم بل يغير الأشياء و المفاهيم و العالم من حولها ، كأنها بذلك تدفع العالم من حولها و تطلب منهم المزيد لأنه يزيد من توهجها و إشراقها و اتقادها، و على هذا امتلأت النصوص بالثنائيات و التقابلات واضحة و ممتدة في جسد النصوص ، و قد عملت هذه النصوص على إبراز الفروقات البيولوجية التي على أساسها ترسخت الأفكار الذكورية و تأصلت بها سلطتهم الفوقية و هذا ما دعمته هذه الثنائيات، حيث كانت النصوص شكلا لامتحان الذات للحياة ، و لهذا كان فعل الكتابة و تجسيد القصيدة امتدادا لتداعيات أفكار الذات التي تحاول التعريض بها ،ويبدو النص ” مكان الذات الرافضة لما يناهض وعيها بماله أو بما هو هو و ما يشن حربا شرسة عليها من قبح أو استلاب ، و لكل ما هو نقيض الجمال و الحق . ومن هنا كانت أجساد البشر وأجساد القصائد والدواوين تندفع في الحروب ومعركة التحرير. وكانت معارك التجديد والتجريب الفني الشعري معارك اختراق وكسر النمطية أو جسد السائد نحو آفاق أكثر تحررا وامتدادا “32
بعد عناق قليل على رجة القلب،
ارتميت بهدوء رملة على غدر مساء كاد كالقتل،
محتواة بقميص أزرق،
يتمرأى بشعر يتهاطل بمودة الغريب
بشفتين تعتزمان نحر سواقي الخجل
تهيجت جسدا لا يداري هيجة البحر
جسدا لا يهدأ ولا يمل من نهل صيحة الحب 34
جسدت الأبيات مشهدا عنيفا للحب والجنس الذي لا يهدأ ولا يمل من نهل صيحة الحب، الحب الذي تتغنى الذات به هو لحظة تخلق الإبداع، إنه التوحد والامتزاج الذي يهز الذات ويهيج جسدها بل يغيب جسدها عن الكون والوجود لترتمي على إثر هزته كالقتيلة، فهو القادر على إخراج مكنوناتها وغياهب دواخلها إلى بقعة الضوء، وهو وحده القادر على إدخالها في عالم الحب الأبدي والديمومة اللامتناهية والخالدة ولهذا فهي لا ولن تتوقف من نهل المزيد من هذا الحب.
كهاويتين في هصير الشهوة
يتعانقان في بلل الشفاه..
بلا مستقر.. يحتملان هدير الوعيد
جسدان يتحالفان في قبلة تلغي أوان القتل
ليستبدا..
معا بغنائم لا تحد .35
يتعدد التوقف عند تكرار مشاهد الجنس و لحظات الاندماج و التوحد في نصوص الذات ، و لكن لم يحمل الجنس عند الذات المفهوم الغرائزي الضيق ،و لكنه تمثل لعميلة تخلق فريدة من نوعها عبر عنه ثالوث ( الذات – الإلهام الشعري- النص المبدع ) ، الجنس عند الذات حمل حركة التداخل و التعاشق و الامتزاج تحت أنواء الكون و ظلال الطبيعة ، حيث يتداخل الجسد الإنساني مع الجسد الكتابي و من خلال هذا الامتزاج تتشكل النظرة للكون من حول الذات ، لأنها ترى العالم و تتحسسه و ترى أبعاده من خلال الكتابة ، لهذا كان الحبر هو الدم الذي يسري في عروق الذات ، و كان الإبداع هو الهم الذي سيطر عليها بل و سيرها ، كان جسد النص عند الذات المرآة التي رأت عن طريقه انهيار الكون من حولها لهذا جاء الاندماج به قويا عنيفا عنف الجنس يحمل اللذة التي تنتهي بالحزن و الألم اللذان يصارعان أعماقها و يصرعانها.
الشعر غاية قبري..
ليراني،
يدنيني منه.
لجسد يستهيم بي،
لذاكرة تهتلك حبري،
أسألهما:
لماذا لا نحصي مدى الخسارات
لنستضر معا. ؟36
” حين أترك أصابعي تتحرك مع القلم على المساحة البيضاء للورقة ، فإني أشعر بالحرية ، و تتداخل أحاسيس جسدية و فكرية معا في داخلي ، خلال عملية الكتابة تنطلق الحواس فيما يشبه الهذيان المرح، أو الطيران ينعتق الجهاز العصبي المشبوك بأسلاكه في البدن من الرقابات المتراكمة عليه ، و تفور الأفكار كالتنور ، و تتدفق خارج سدودها ” 37، هذا حال لسان الذات الناطق، الانعتاق و الخلاص ، فالشعر غاية القبر لديها ، لأنه الوحيد القادر على سبر أغوار دواخلها ، و لأنه الوحيد القادر على أن يدني الذات منه و أكثر من هذا فهو يهيم بها، إن الهيام هو محرك الذات التي تفرغ عن طريقه ذكريات الوعي و اللاوعي المتأصلة في ذاكرتها و نفسها و جسدها ، الهيام الذي تعيشه الذات هو من يتحمل ما ترضخ له و بهذا تطلب منه أن يشاطرها الخسارات و الأوجاع و احتمال الضرر، جسدا” الشعر و الذاكرة ” هما من تتوجه لهما الذات بالسؤال و الطلب بإحصاء الخسائر و مواجهة الضرر، والطلب هنا نشدا للدعم و المؤازرة ملحة على تجديده واستمراره لأن تلاحم الأجساد الثلاثة ضروري وحتمي حيث تتجهز الذات ” لجنوح قيامة لم تبدأ بعد “38.
الخلاصة:
الجسد عند الذات استبطان لروح التمرد و الثورة التي تحملها في جميع أشكالها تجلياتها و قد انداحت النصوص على مجملها حاملة هذا الخطاب ، و بهذا حمل الجسد عند الذات صفة الديمومة و الأبدية الذي شكل مكان التقاء الذات بالزمان و المكان ،و حين تفعله الذات فإنها تصل حالة من الوجد و النشوة لتكشف عن تجلياتها التي تصرخ من الألم و تجيش بمعاناة العذاب من الموروث و الواقع المعيش، هذا الالتقاء يولد و يفجر المكبوت و السري و الغائم من اللاوعي في شكل صور غريبة و جديدة و بلغة تشع منها إنارات الأنوثة ، تعبر الذات عن المرأة بكل أشكالها المرأة الصوت الجمعي الذي امتد عبر العصور و الأزمنة المختلفة ، المرأة التي رزحت تحت الضغط الثقافي الذي أفرزته الحضارة على مجملها ، تعبير الذات جاء تعبيرا عن المرأة ذلك الكائن الأصيل و محتوى العالم و واهب الحب و العطاء اللامنتهي و المتعالي على سائر الموجودات و المعوقات.
الجسد هو القربان الذي تتمرد الذات به و الذي حمل الإرث الحضاري بأكمله ذنوبا و خطايا عبر ألاف السنين. لم يكن جسد الذات جسدا جنسيا و لا شبقيا و لا طامحا لمغامرة جنونية و فق ما يظنه البعض من أفكار تتداعى لحظة التفكير بالجسد، بل هو الجسد المؤنث للروح المؤنثة و نداء المرأة عبر العصور سرا أو جهرا ، جاءت الذات متمردة على صدأ التاريخ، و قيح الثقافة التي تنزح الفاسد و القميء الذي ما زال مؤثرا على العالم و محركا له ، هذا الجسد يطلب الخلاص و يطلب التوحد مع الكون و الطبيعة ، ينادي بالصفاء و الطهر و العطاء و السلام ، هذا الجسد يئن تحت وخز الظلم و القهر ، ألمه غائر و متمركز في امتداد النفس و الجسد ، الجوهر و المظهر ، المرئي و غير المرئي في حين لم تصدر الذات عن ألم الثقافة فحسب و لم تطالب بتغيير العالم من أجلها فقد امتدت صرخة الألم لتشمل تغيير الكل للصالح العام ، فكيف الخلاص ، و هل يطيق الجسد أن يستمر في معاناة كل هذا العذاب ؟ جسد الذات هو المشروع التنويري التي تصرخ من أجله و تعلن الثورة و التمرد لتحقيقه.
الهوامش:
1- هنري برجسون، المادة والذاكرة: ترجمة أسعد عربي درقاوي، مراجعة د. بديع الكسم، الطبعة الثانية، منشورات وزارة الثقافة، 1985، سورية، ص187
2- دافيد لو بروتون، أنثربولوجيا الجسد والحداثة: ترجمة محمد عرب صاصيلا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1413ه-1993م- ص16
3- المرجع نفسه، ص24
4- المرجع نفسه، ص24
5- محمود زيدان، في الجسد والنفس (بحث في الفلسفة المعاصرة)، الناشر دار الجامعات المصرية، (د.؟) الاسكندرية، ص184
6- المرجع نفسه، ص188
7- المرجع نفسه، 189
8- المرجع نفسه، ص192-193
9- عبد الناصر هلال، خطاب الجسد في شعر الحداثة، مركز الحضارة العربية، الطبعة الأولى – القاهرة، ص30
10- المرجع نفسه، ص29
11- ابن عربي، فصوص الحكم، دار الفكر العربي (د.؟) ص102
12- كمال أبو ديب، الحداثة / السلطة/ النص، فصول، المجلد الرابع-العدد الثالث –إبريل/مايو/يونيو ،1984، ص61
13- المرجع نفسه، ص22
14- رامان سيلدن، النظرية الأدبية المعاصرة، ترجمة جابر عصفور دار قباء للنشر،1998، ص194
15- ابن عربي، من موقع مدارات صوفية
16- المرجع نفسه
17- ليندا جين شفرد، ترجمة د. ينمى طريف الخولي: أنثوية العلم (العلم من منظور الفلسفة النسوية) عالم المعرفة، عدد 306، أغسطس، الكويت، الفصل الخاص بالمنظورات الثقافية المتقابلة للذكورية والأنثوية، ص32-46، والموقع الالكتروني الخاص بالناقد عزت عمر، وكتاب فراس سواح، لغز عشتار، دار علاء الدين، الطبعة الخامسة، 1993، دمشق، الفصل الخاص بالأم الكبرىص41
18- فوزية السندي، ديوان رهينة الألم ص56
19- للمزيد: فراس سواح، لغز عشتار، الفصل الخاص ب (عشتار سيدة الأسرار)
20- المصدر السابق، ص56
21- المصدر نفسه، 59
22- المصدر نفسه، 65
23- المصدر نفسه، 59-60
24- المصدر نفسه، ص62-63
25- المصدر نفسه، ص63-64
26- المصدر نفسه، ص65
27- المصدر نفسه، ص110
28- المصدر نفسه، ص110-111
29- المصدر نفسه، ص111-112
30- المصدر نفسه، ص130
31- المصدر نفسه، ص127-128
32- فاطمة الوهيبي، (المكان والجسد والقصيدة – المواجهة وتجليات الذات)، المركز الثقافي العربي الطبعة الأولى، يونيو، 2005، الدار البيضاء / بيروت ص32
33- المصدر السابق، ص42
34- المصدر نفسه، ص36
35- المصدر نفسه، ص42
36- المصدر نفسه، ص54
37- محمد علي شمس الدين، فصول – المجلد الحادي عشر- العدد الثالث – خريف 1992، ص267
38- المصدر السابق، ص38
المصادر:
1- فوزية السندي: ديوان رهينة الألم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى 2005-بيروت – لبنان
المراجع:
1- ابن عربي، فصوص الحكم، دار الفكر العربي، (د.؟)
2-دافيد لو بروتون. ترجمة: محمد عرب صاصيلا، أنثروبولوجيا الجسد والحداثة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى 1413ه-1993م بيروت –لبنان
3- د. عبد الناصر هلال: خطاب الجسد في شعر الحداثة، مركز الحضارة العربية، الطبعة الأولى، 2005م – القاهرة
4-د. علوي الهاشمي: سعراء البحرين المعاصرون (كشاف تحليلي مصور 1925-1985) الطبعة الأولى – 1988م – البحرين
5-فاطمة الوهيبي: المكان والجسد والقصيدة (المواجهة وتجليات الذات)، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى – يونيو 2005- المغرب / الدار البيضاء – لبنان / بيروت
6- فراس سواح، لغز عشتار (الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة)، دار علاء الدين، الطبعة الخامسة، 1993، دمشق
7-فؤاد اسحق الخوري: أيديولوجيا الجسد (رموزية الطهارة والنجاسة) دار الساقي – الطبعة الأولى 1997م – بيروت
8-محمود زيدان: في النفس والجسد (بحث في الفلسفة المعاصرة) الناشر دار الجامعات المصرية – (د.؟) الاسكندرية
9-هنري برجسون، ترجمة د. أسعد عربي درقاوي، مراجعة: د. بديع الكسم – المادة والذاكرة (دراسة في علاقة الجسم بالروح)، منشورات وزارة الثقافة – الطبعة الثانية – 1985- سورية
الدوريات:
1- فصول: المجلد الحادي عشر – العدد الثالث -خريف 1992
– الخلاص بالجسد: أحمد عبد المعطي حجازي
– الكتابة- الحرية – الموت: محمد علي شمس الدين
– فصول: المجلد الرابع – العدد الثالث – إبريل / مايو / يونيو –4 198
– الحداثة/ السلطة / النص: كمال أبو ديب
المواقع الالكترونية:
– www.islsmic-sufism.com/article.php?id=1324