حوار خلود فلاح
_ الشعر طاقة تعبيرية محملة بتحديات الروح للحياة.
تكتب فوزية السندي فينساب النص بشفافية تعكس تطلعات الشاعرة ورؤاها في الحياة والموت، الحب والكره، الحرية والكبت.
قصيدتها تبحث عن تميزها وهي كما تقول أحيا بمتعة الاكتشاف.
عبر فضاءها الإلكتروني تمكنت من التعرف على كتابات الشاعرة، وهذا ما يدفعني للقول شكرا لشبكة الإنترنت على هذا التواصل الجميل.
للشاعرة فوزية السندي صدر: استفاقات، هل أرى ما حولي، هل أصف ما حدث، حنجرة الغائب، آخر المهب. ملاذ الروح رهينة الألم.
* تقول الشاعرة إيميلي ديكنسون “عندما تقرأ نصاً فتصيبك تلك الرعشة، فأعرف أنك تقرأ شعرا” والشاعرة فوزية السندي ماذا تقول عن الشعر؟
– الشعر طاقة تعبيرية محملة بتحديات الروح تجاه هذه الحياة، حدوث القشعريرة آت من تلقينا لذبذبات وترددات طاقية صادرة من الحروف ذاتها، مشحونة بمشاعرنا، معبرة عن حالنا، تلك حروف تتسق في كلمات تتضامن مع بعضها لإشعال صورة شعرية مؤثرة، هذه الذبذبات هي طاقة صادرة من التجربة الإنسانية طيلة حياتنا، وكلما اقترن الشعر بحرارة الصدق التعبيري كلما استطاع أن يخلق هذا التأثير الملائكي بعمق أشد شفافية وأبعد مدى:
مصفدة أكثر مما ينبغي،
محتواة بحديد لا يُحد
مدشنة بغريب العبء،
مرسلة لمثاوي الحجر
أحاول أن أحلّق بأقصى جناح يحتمل.
الحرف طريق الحبر/الحبر ضريح الحرف/يمضيان الحياة والموت معاً/بلا هلع البدء ولا مسرة النهايات/لذا يتقنان كل شيء.
*هل يمكن الحديث اليوم عن علاقة بين النص الحديث والواقع إذا كان النص الحديث لا يهتم إلا بما هو هامشي أو مهمل؟
– أحد أوجه مصاب المشهد الثقافي العربي كامن في تلك الاطلاقات، والتعميمات أمام الشعر بالذات، كيف لا يكون للشعر صلة بالواقع وهو صادر عن كائن حي يحيا ويتأثر ويكتب، إذا كنا نتحدث عن الشعر وليس النظم أو تحبير الورقة بالكلمات، النص الشعري الصادر عن موهبة تحدق في الحياة، لا يتخلق على الورق إلا إذا كان يومض بنبض القلب:
قبل الورقة، قلما أرى
وبعدها،
يضلُّ النظر.
*
الغبار حكمة الصحراء
به تداوي غرور تلالٍ تتصاعد.
*
عندما تنتزع الأفعى جلدها الأخير
تحرضه دومًا على نحت جديدها القديم
لتتقدم به.
*
للزواحف موهبة أصابع
ترتسم دومًا على ترابٍ ضرير
لتكسر سر هذا الطريق.
*في ديوانك”رهينة الألم”أجدك تؤثثين لفلسفة الغياب والفقد والوجع والحب. لماذا؟ وما الذي على نصك ان يقوله ويسمعه؟
– رهينة الألم تجربة تكثفت مالاتها من خلال وقت ادلهمت فيه تجارب الفقد وأنارت لي علاقتي ومعرفتي بالموت، رحيل صديقتي ووالدتي ووالدي تباعاً، خلال شهور قليلة تفصل بينهم، وقت أتقنت فيه معنى الألم عندما يضفي حكمة الحياة وجلال المحبة على قلوبنا، كنت بحاجة للتوغل أكثر في مناجاة روافده وتفاصيله طيلة الألم، لذا بدأت النهل من بئر روحي، لأتمكن من تجاوز تحدياته العنيفة آنذاك.
الشعر مرآة روحي التي أنصت لها:
رهينة الألم:
كتابة، لم أكتبها.. لأكتشف الألم
بل لأعرف مداه
و
مآلات صداه.
*مما يتشكل العالم الذي تحلمين به؟
– الحلم يغوينا لتدارك الأسئلة التي لابد من معرفتها لنتمكن من معرفتنا، العالم ليس ما أحلم به بل ما أراه يتشكل أمامي، وأتوق لاكتشافه ومعرفته أكثر، محاولة التماس معه بعمق، التغيير يبدأ منى لا منه، لأعرفه اجتهد لمعرفتي، ممتنة للحياة التي ترافقني في كل نبض ونفس، لنا أن نقدر معنى هذا الهبة، فلا نهدر النعم بتصاعد العنف والتخريب وتزايد الألم وتعميم الشقاء الإنساني، الحياة لا تلام، بل أنفسنا ونحن نورث الدمار تلو الدمار:
كل ورقة، أشعل الليل
ليخجل من فحم حرف
صار أشد منه
عندما نال الليل
ما يعجز عنه جائر الحرف
أسلمت ردائي لعنوة الصباح
لطلقة تستبد بفيء الليل
كأني لم أحيا لغير ضوء الرصاص.
*القصيدة اليوم تبحث عن تميزها، أن تكون مغامرة، عن نبض حياة جديد. هل قصيدة فوزية السندي تبحث عن ذلك؟ وهل للمخزون المعرفي دوره في الكتابة؟
– المعرفة زاد الرؤيا التي تنساب على الورق، والمعرفة ليست المنهالة علينا من مصادر الثقافة الإنسانية فقط، بل تناغم هذه المنابع مع الوعي الكوني الصادر من شمولية التجربة الإنسانية، من تماسنا مع مصائر الحياة وكائناتها.
كل عمل فني رؤيوي يتقد بتميزه لكونه يعبر عن روح متميزة، فريدة بكل تفاصيلها وصفاتها عن الآخرين، ليست نصوصي ما تبحث عن ذلك بل أنا أيضاً أحيا الحياة بمتعة الاكتشاف والبحث الدائم:
الكتابةُ كالنمرة،
ملتاعة بموهبة توآتي براعة العضل
بغرورِ طيشٍ يستحل هبوبَ المخالب
بطش عنيف ضد من لا يباريه،
ومن لا يهتال منه.
*كيف يمكن الوصول إلى حداثة شعرية متجددة تسعى إلى ارتياد فعل التجريب والمغامرة؟
– لا أعرف كيف، بل أكتب ما أحياه لأعرف، الطريق أجمل من الوصول إلى غايات ونهايات عظمى، الكتابة وحدها تكفي:
الشعر كما النهر،
مبتلى باندفاع حروف عنيدة
تستميت،
لئلا تمس من أحد.. مرة أخرى.
بعدما بعثرت ثيابها وارتدتك
أغلقت غرفتها/واعتنت بغيابك.
*تكتبين بحس الأنثى أم بحس الأنثى الشاعرة؟
– أكتب بأحاسيس تشبهني.
امرأة تنام في الكون
وتفتش عنه.