الكاتب: مهدي سلمان
جريدة الأيام البحرينية
الشعر لا يصف المرأة أو الرجل كجسد فحسب، ما يمعن في هذا التوصيف الضيق هو النظم، والاستسهال في رصف الكلمات، وليس الشعر.. حيث تتعالى الرؤية الشعرية وتتعمق الدلالات بعيداً عن هامشية التموضع الدلالي لمفهوم الجسد، أحياناً نصغي لكلمات تتلى من على المنصة لا علاقة لها بالشعر، ولكن بالهتاف الذي يستحق تصفيق الأكف لما يحتويه من إثارة تستهدف هذا الحضور.
طيلة تاريخ الشعر كانت هناك كتابة تصف المرأة كجسد، وكانت هناك رؤى شعرية مغايره تراها كحياة متناهية الأبعاد الروحية، المسألة لا ترتبط بفترات زمنية أو بجنس من يكتب، ثمة شاعرات يجسدن العلاقة مع الرجل بذات الرؤية الأحادية الأبعاد، أمام النص على النظر النقدي أن يتصل بهذا الانبعاث المحمول بمحنة الروح، المتصف بالمعرفة الإنسانية، حيث تجلياته تتعمق في النص الشعري، كفعل يعمل على تنضيد طاقة حروف تشتبك في سياق كلمات تتعاضد من أجل تشكيل صورة شعرية تعمل على تصدير المعنى والإحساس والطاقة التعبيرية لذات الشاعرة نحو الكون.
للشعر حرية لا تطال، لهم الحق في تصوير الآخر كما يبتغون، ولنا حرية وذائقيه لا تستحق الخدوش.
البحث عن الحرية لا يتصل بفعل تسطيح النظر للمرأة، إن تسطيح النظر للمرأة –إن وجد في النص الشعري- فهو حال فكري يتصف به من يكتب، الحرية نهل معرفي عميق، سبر ذو حساسية محفوفة بالتأني اللائق حين مقاربة النفاذ نحو محبة الآخر، الكتابة عن الجسد ليست في مهب التابو، ولا في إذلاله بتسطيح الحديث عنه، تعريف الحب مهمة نبيلة لا توسم بتسطيح الآخر، ثمة بوح معني بتشفيف الحال الشعري، لمعان البصيرة، حكمة لابد أن تستعر ونحن نقلب محن القلب وندون الخفي منها، الآخر هو الأنا.. ولم يعد الجحيم كما توهمنا مع رامبو ذات شعر.
بالرغم من حدوث هذه الظاهرة، إلا أن التعميم يضر ما يتم مداولته في المشهد الشعري، المرأة الشاعرة تمثل عدة رؤى شعرية، تعتمد طرائق تعبيرية تنسجم مع مدى وعيها لعمق تحدياتها مع الحياة، جل ما يحدث الآن هو خطورة الانسياق نحو ما يتم تعميمه من أوهام، فهم التجديد بكونه إغراق النص في تناول التفاصيل أو اليومي بحيث يثقل النص ببرد السرد، التركيز على المنظور الحسي والجسدي تحت راية الجرأة في تفجير أنوثة النص، وما شابه ذلك من تنظيرات ترويجية تهدف إلى تسليع النص الشعري والروائي أيضاً في زي مثير، ومطلوب في سوق النقد الأدبي والمالي، ولدى دور النشر.
لا حد لشراهة الحياة الاستهلاكية، ومنصات ما يسمى شعراً أحد أسواقها اللاهية. ما يحدث الآن هو الانسياق نحو تلبية هذه الاشتراطات التسليعية للتجربة الإنسانية، المتزامنة مع رواج النفاق النقدي والمديح الفج، ولا يخفى مدى خطورة الاستسهال الحادث في النشر، ثمة سباق نحو تضخم الذات وإثقال السير الذاتية بأسماء الكتب لا بكتابة الشعر، وهذا هو النحر لنهضة النص.